سجل في القائمة البريدية

Edit Template

آمنة النصيري: حضور فكري وتجربة فنية عززتها إرادة قوية

د. طه حسين الهمداني

لو أردنا تقسيم اجيال المرأة اليمنية منذ قيام ثورة 26 سبتمبر حتى قيام الوحدة المباركة فإن آمنة النصيري تأخذ مكانة متفردة عن كثير من مجايليها فهي تنتمي إلى جيل ما قبل الوحدة وبعده، تعلمت ونضج معها الفكر والطموح لتمضي بخطى واثقة مثل كثير من الفتيات.

من جيل تشبع بكثير من الأفكار والعلوم والمعارف ووجد من يحميه ويشجعه، حمل الكثير من الطموح واصطدم بالعديد من الحواجز والصعاب، غير أن الإيمان بالحياة كقيمة انسانية وعطاء شكل لها رافعة ودافعا قويا للاستمرار.

آمنة النصيري.. أيقونة يمنية جمعت بين الفكر والجمال وسط عتمة تشكلت بفعل كثير من الرواسب والقيود في بلد يحتاج للكثير من البهجة والخروج من ربقة المفاهيم المغلوطة.

برز اسم آمنة كواحدة من الرائدات اللواتي صنعن تجارب مهمة وملهمة شكلت على المدى البعيد حكاية مليئة بالتفاصيل والتحدي على المستوى المحلي والعربي والعالمي، وقد تكللت تجربتها بكثير من الصور المبهرة والضوء واللون والمشاهد المشرقة والأحداث العلمية والفنية والإبداعية، كما ارتبطت شخصيتها بالتحولات مثلها مثل كثير من الوجوه اليمنية والعربية.

اختارت آمنة بوابة التحصيل الأكاديمي وفن التشكيل جنبا إلى جنب، انعكاسا لروحها الجميلة وهدفها النبيل ورؤيتها المعرفية العميقة وصلابة بيئتها التي نشأت فيها.

خاضت معترك التعليم الأساسي وصولاً إلى الجامعي حتى وصلت إلى آخر مراحله وهي درجة الدكتوراه في واحدة من اهم التخصصات الإنسانية والعلمية بل انها ام كل العلوم والمعارف الاخرى الا وهي الفلسفة.

اصبحت آمنة مصدر فخر وتقدير واعتزاز وتقدير الجميع كنموذج نسوي يتصدر المشهد ورقما رفيعا لا يعرف طريقا للاستسلام، وشعلة في التنوير وتثقيف المحيط بالحرف واللون والفكر والكلمة والإصرار.

مثلما أنها تركت بصمة واضحة من خلال دائرة مترامية ميزت بها نفسها من بين عديد من الأصوات تحصيلا ومعرفة، لتظهر آمنة كأنها فتاة من أسرة أرستقراطية بملامح شعبوية وروح يمنية أخاذة وأناقة امرأة ذكية جمعت بين الوعي والايمان بالحياة وبساطة الفلسفة وأهمية الجمال.

تعرفت الى الأستاذة آمنة النصيري منذ سنوات شبابنا الأولى، وكنتُ آنذاك رئيسا لاتحاد الطلاب، وكانت هي وقتذاك ما تزال طالبة في الثانوية وعضوًا في فرع الاتحاد بمحافظة صنعاء، ثم مسؤولة عن النشاط الثقافي والفني في فرع الاتحاد كلية الآداب، ثم عضوة فاعلة في قيادة الاتحاد.

منذ ذلك الحين، بدت لي شخصية مختلفة؛ متقدة الفكر والإبداع، تحمل روحًا قيادية، وقلمًا أديبًا، وعقلًا مثقفًا، تحظى باحترام أساتذتها وزملائها على حد سواء. وقد كان واضحًا أنها ستصبح ذات يوم واحدة من الأسماء الكبيرة في فضاء الفكر والفن.

واصلت آمنة تحصيلها العلمي لتميزها وشغفها في امتلاك زمام المعرفة، وتطويع ثالوث: الضوء واللون والكلمة، لم تكن مجرد أستاذة جامعية تتنقل بين فصول المحاضرات، ولا مجرد فنانة تشكيلية تعرض لوحاتها في القاعات، بل شخصية متزنة متفردة تمثل التكامل بين الفكر والإبداع.

بريشتها أعادت قراءة الموروث الحضاري اليمني من العباءة الصنعانية امتدادا بمختلف الاشكال للمرأة اليمنية، كما عمقته عبر مدارس فنية مختلفة، كما كان لكتاباتها الفكرية أثرا بالغا فقد فتحت آفاقًا جديدة للحوار الثقافي والنقدي، لتؤكد أن اليمن كان وسيظل بلد العقول الكبيرة والإبداعات العميقة.

في أعمالها الفنية، تظهر النصيري متمسكة بجذورها اليمنية، مستلهمة من روح الحضارات القديمة وألوان الطبيعة اليمنية، لكنها في الوقت نفسه منفتحة على الحداثة ومعطياتها، مما جعلها تحظى باحترام واسع في الأوساط الفنية التشكيلية العربية، ولعل الدراسات والمقالات التي كتبت حول شخصيتها وتجربتها وغيرهما من الكتابات الكثيرة هي نتاج لهذا الحضور الفريد.

كما ان أناقتها عكست واقع المرأة اليمنية في مختلف المحافظات والتي ارتبطت بمواسم الزراعة والحصاد والوان قوس قزح بعد المطر، بحقول الذرة والمروج الخضراء، مجسدة بيئة لطالما كانت محل اختبار أمام العواصف والسكون.

أما في مجالها الأكاديمي والفكري، فقد قدمت أبحاثًا ودراسات تركت بصمتها على الحراك الثقافي العربي، لتثبت أن الفن ليس معزولًا عن الفكر، بل أحد أشكاله الأكثر تأثيرًا وثباتا في وجه الاضمحلال والانتكاسات.

النصيري هي صورة المرأة اليمنية القادرة على أن تكون مبدعة ومفكرة، وسيرة كل انسان آمن بالإبداع وسعى جاهدا لبلوغ الشرفات العالية، فقد نافست بجدارة في ميادين الفكر والفن التي طالما ارتبطت بالرجال وهي تستحق عن جدارة تكريما يليق بها كواحدة من الرواد اللاتي منحنا الحياة مساحة من البهاء والجمال، فقد كرست سنوات من عمرها في هذا المجال لإيمانها المطلق بقيمة الوجود بكل ما فيه من تفاصيل وتنوع، كما أنه من الواجب على رعاة الثقافة في البلد جمع أعمالها والدراسات والكتابات حول تجربتها لترى النور.

إنها الوجه الذي يعكس إصرار المرأة اليمنية على تخطي التحديات، وإثبات قدرتها على المساهمة في بناء وطنها وصناعة صورته الحضارية.

سطرت هذه الانطباعات اليوم ليس كتعبير عن ما أكنه للدكتورة آمنه النصيري من تقدير واحترام واعجاب بشخصيتها فقط، بل هو اعتراف بدور المرأة اليمنية في حمل رسالة الثقافة والجمال، وإصرارها على أن تظل حاضرة رغم العوائق، وان كان مقامها وابداعها يستحقان ابعد مما كتبت وأعمق.

إنها بالفعل أيقونة يمنية تستحق أن تُرفع باسمها رايات الفخر والاعتزاز.

* عن موقع يمن المستقبل

Post Views98 Total Count

تصفح المواضيع

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Ethical Dimensions in the Digital Age

The Internet is becoming the town square for the global village of tomorrow.

الأكثر قراءة

هاشتاغ

عن زيتون نيوز

زيتون نيوز موقع اعلامي صادر عن مركز رام للدراسات العربية. مختص بالشؤون العربية في كندا، بالاضافة الى الاهتمام بأهم القضايا في الوطن العربي. وهو موقع مهني تشرف عليه الصحفية تغريد سعادة التي تعمل في الصحافة لما يزيد عن عقدين من الزمان.
يقع المكتب الرئيسي في مدينة ادمنتون / ألبرتا. ويعمل على تقديم تغطية شاملة، لكافة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعرب في كندا. 

آخر الأخبار

  • All Posts
  • About Us
  • English News
  • أخبار
  • تحقيقات
  • ثقافة
  • شؤون الجالية
  • شؤون عربية
  • لقاءات
  • مقالات
  • منوعات
    •   Back
    • About us
    •   Back
    • Art and Cinema
    • Interviews

أقسام

 Zaytoun News © 2024

error: Content is protected !!