سجل في القائمة البريدية

Edit Template

أحمد الملاّ: “نوخِذة” الشعر والسينما

خالد ربيع

لأنه مفتون بالصورة الجمالية والكلمة الشاعرية المحلقة في تخوم المجاز والوله؛ نقلهما تارة في شعره النثري، وأخرى في أفلامه القصيرة التي شارك فيها إما بالكتابة أو التوجيه أو إبداء المشورة أثناء التنفيذ، فتمثلها مرة بقلمه ومرة بالدراما الموثقة بكاميرا السينما.

ولأنه أيضًا معجون بمحبة الشباب والشابات اللذين يصنعون الأفلام ويبثون رؤاهم وحكاياتهم واحلامهم سخّر حيزًا كبيرًا من طاقته لإدارة مهرجانهم الحالم المحفز والباعث نحو النجوم السينمائية. وبنفس الهاجس والشغف المحموم يدير مهرجان بيت الشعر.

نعم؛ هكذا من ثنائية الشعر والسينما أبحر أحمد الملاّ في ديوان العرب وشاشته، مكرسًا للشعر ولهه برصد مفارق الحياة بعين المتأمل في خبايا مشاعرنا في الحياة اليومية، مستنطقًا الجمال والمفارقة والسؤال؛ داعيًا للمحبة والحب الذي يلف الحبيبة والكون بمجمله.

عبر أولى مجموعاته الشعرية النثرية «ظل يتقصف»، وعندما أهداني إياها في منتصف التسعينيات؛ وكنا شبابًا وقتها، كانت عيناه تترقرق بالحياء والتواضع؛ بل بالإستحاء النبيل الذي أحبه فيه دائمًا، ثم بعد عام أرسل لي وأنا في عروس البحر الأحمر ديوانه الثاني «ب خفيف ومائل كنسيان»، وكم أكبرت حينذاك أن يرسل لي ديوانه بالبريد التقليدي بمغلف لمسته يداه وبخط كتبه قلمه بأصابعه وشوقه. أيقنت في ذلك الوقت المبكر أنه أخذ يتوج شاعرًا متميزًا في قصيدة النثر ضمن مجموعة من أصداقئي الأحباء شعراء قصيدة النثر اللذين شكلوا وعيًا وثقافة جديدة عبر شعرهم.

ضلت قصيدة النثر اختيارًا لذائقته الملتاعة بالتوق للسمو الجمالي، هكذا أؤمن، وفي نفس المزاج اختبارًا لمناطق غير مأهولة، من قبل، في سراديب جوانيته الشبقة للشعرية العربية.

لذة الاكتشاف ونشوة التشكل للحظة المجازية للشعر بداخله، هي التي مكنته من إصدار دواوينه «سهم يهمس باسمي»، و«تمارين الوحش»، و«علامة فارقة»، و«كتبتنا البنات»، و«ما أجمل أخطائي»..لكن ديوانه “كتبتنا البنات” لامسني بشكل حميمي مجنون.. هاتفته وقلت له أنت يا أبا مالك سرقت كتبتنا البنات من داخل روحي ومن وجداني.. أخذ يضحك ولم يقل شيئًا.

مع كل ذلك الهاجس الشعري لم تتركه السينما في حاله، ولم يتركها في حالها، فدلف إلى عالمها عبر دروازه السينما الشعرية، وكتب قصة لفيلم قصير أخرجته زوجته الجميلة ريم البيات، تحت عنوان «ظلال»، ثم كتب لها سيناريو فيلم «دمية»، ثم اقتحم باب الأداء التمثيلي في فيلم «ست عيون عمياء» للمخرج عبدالله آل عياف، فكان أداؤه طبيعيًا للدرجة التي دفعت محبي السينما في محيطه إلى نصحه باحتراف التمثيل.. لكنه لم يفعل.

وجد “أبو حميد” كما أناديه دائمًا، في مسيرة عمله بالنادي الأدبي في الدمام متنفسًا للعمل على تنشيط الفعاليات الثقافية في إقامة الأمسيات الشعرية، وعرض الأفلام السينمائية والمناقشة حولها والتثقيف عن الفن السينمائي، وتقديم الورش لإثرائه، فالتف الجميع حوله، واتجه إلى تنظيم مهرجان أفلام السعودية ــ لإيمانه بأن هناك طاقات شبابية جديرة بأن تجد لها منصة تعرض إنتاجاتهم.

اشتغل صديقي الملّا مبكرًا في النشاط الثقافي إعلاميًا وإداريًا، في صحيفة اليوم، ليطل على مشهد ثقافي يموج بالتفاعلات والحراك المحموم، وكان هاجسه صقل اتجاهات المعاصرة الفنية، والانتقال بالحياة الثقافية إلى فضاءات أرحب. ثم عبر عن رؤاه تلك في مقالات كثيرة نشرها أسبوعيًا على مدار ثلاث سنوات في صحيفة الشرق، وكانت لمقالاته نكهة الأغنيات التي لا تضجّر مستمعها، ورائحة الرفض الذي يتقبله الجميع، وبوح الغيور الذي يطرح وينتقد ويوجه بالوئام والألفة والشعر والعين الثاقبة.

لشخصيته الاجتماعية سحر يجعله مطمعًا تترقبه المهرجانات الثقافية، ولثقافته الواعية ما يؤهله لوضع مقترحات قيمة للثقافة المحلية والعربية.. لا أقول هذا ككلام مجاني أو تهويل أجوف، انما هو شهادة الحق واليقين.

قال ذات مرة: الخلل كامن في عمق البنية الثقافية، حيث أننا لم نرسخ الشأن الثقافي على أساس أنه ضرورة تنموية اجتماعية، بل تم التعامل معه على أنه حالة استهلاكية تكميلية يمكن العيش دونها، أما الأطياف الثقافية فهي نتاج اجتهادات فردية، لا تمتلك تخومًا واضحة وصريحة، بل إنها رجراجة ومتداخلة ومتحولة.

هذا هو أحمد الملاّ النوخذة المعتق الذي نقدّره، منتصب وخفيف كنخلة حساوية مثمرة وصامدة.

* النوخذة: مسمى ربان السفينة وقائدها وهو أيضًا مالك سفينة الصيد والتجارة البحرية القديمة في منطقة الخليج العربي.

خالد ربيع ناقد سينمائي سعودي






Post Views33 Total Count

تصفح المواضيع

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Ethical Dimensions in the Digital Age

The Internet is becoming the town square for the global village of tomorrow.

الأكثر قراءة

هاشتاغ

عن زيتون نيوز

زيتون نيوز موقع اعلامي صادر عن مركز رام للدراسات العربية. مختص بالشؤون العربية في كندا، بالاضافة الى الاهتمام بأهم القضايا في الوطن العربي. وهو موقع مهني تشرف عليه الصحفية تغريد سعادة التي تعمل في الصحافة لما يزيد عن عقدين من الزمان.
يقع المكتب الرئيسي في مدينة ادمنتون / ألبرتا. ويعمل على تقديم تغطية شاملة، لكافة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعرب في كندا. 

آخر الأخبار

  • All Posts
  • About Us
  • English News
  • أخبار
  • تحقيقات
  • ثقافة
  • شؤون الجالية
  • شؤون عربية
  • لقاءات
  • مقالات
  • منوعات
    •   Back
    • About us
    •   Back
    • Art and Cinema
    • Interviews

أقسام

 Zaytoun News © 2024

error: Content is protected !!