سجل في القائمة البريدية

Edit Template

أزمة الهوية المزيفة في عالم السينما: عندما يتحول الإخراج إلى هواية لكل من هب ودب

يحيى بركات*

يشهد عالم السينما اليوم ظاهرة غريبة ومتناقضة، حيث يتهافت الكثيرون من مختلف الخلفيات والمهن على ممارسة الإخراج السينمائي، دون أن يكون لديهم أي خلفية أكاديمية أو خبرة سابقة في هذا المجال. فمن الطبيب إلى المهندس، ومن الإعلامي إلى الطالب، أصبح الجميع يرى في نفسه مخرجًا سينمائيًا، ينتج أفلامًا ويشارك بها في مهرجانات عالمية، ويحصد جوائز وتكريمات، دون أن يراعي المهرجان أيًا من المعايير الفنية أو الأكاديمية المطلوبة لهذه المهنة.

أن هذه الظاهرة تثير العديد من التساؤلات حول هوية المخرج الحقيقي، وحول قيمة الإخراج السينمائي كفن ومهنة. فهل أصبح الإخراج مجرد هواية يمكن لأي شخص ممارستها، أم أنه لا يزال يتطلب دراسة متخصصة وخبرة عملية؟ وهل من حق أي شخص أن يصبح مخرج سينمائي، دون أن يمتلك أي من المؤهلات التي تؤهله لذلك؟

اين دور النقاد ولجان التحكيم في هذه الأزمة:

في ظل هذا الانتشار الواسع للهواة في مجال الإخراج، فالنقاد، بصفتهم صناع الرأي العام السينمائي، لهم دور كبير في توجيه الجمهور نحو الأفلام الجيدة، وتقييم الأعمال الفنية بمهنية وموضوعية. أما لجان التحكيم في المهرجانات، فمسؤوليتها تتمثل في تحديد المعايير الفنية للأفلام المشاركة، وتكريم الأعمال التي تستحق ذلك.

ومع ذلك، يواجه النقاد ولجان التحكيم العديد من التحديات، منها الضغوط التجارية،والضغوط السياسيه ، والتحيزات الشخصية، وصعوبة تحديد معايير واضحة وموضوعية لتقييم الأفلام في ظل التنوع الكبير في الأنماط السينمائية.

إن هذا الاستسهال في ممارسة الإخراج السينمائي يؤدي إلى تدهور قيمة هذه المهنة، ويقلل من شأن المخرجين المحترفين الذين قضوا سنوات طويلة في الدراسة والتدريب، وطوروا مهاراتهم الفنية والإبداعية. فكيف يمكن مقارنة فيلم أنجزه مخرج محترف، استثمر فيه الكثير من الوقت والجهد والمال، بفيلم آخر أنجزه شخص هاوٍ، استخدم هاتفه المحمول في تصويره؟

هذا التسيب واختلاط الحابل بالنابل بحاجة إلى إعادة النظر في المعايير التي يتم على أساسها تقييم الأفلام وتقيم المخرجين. يجب أن تكون هناك معايير واضحة تحدد من هو المخرج المحترف، وأن يتم منح الأولوية للأفلام التي تحمل بصمة فنية وإبداعية واضحة ومخرج صفة الاخراج مهنته الاكاديميه .

إن هذا الوضع يشبه إلى حد كبير ما يحدث في مجالات أخرى، حيث يتحول أي شخص إلى خبير في مجال معين، بمجرد قراءته لبعض المقالات أو متابعته لبعض الفيديوهات على الإنترنت.

فنجد مثلاً أشخاصًا ينصحون الآخرين في أمور تتعلق بالصحة أو التغذية، دون أن يكون لديهم أي خلفية طبية، لكن لايقال عنهم أطباء ويسمح لهم بالمشاركه في المؤتمرات الطبيه.

يجب على المؤسسات التعليمية والثقافية أن تلعب دورًا أكبر في نشر الوعي بأهمية الدراسة المتخصصة في مجال السينما، وأن تشجع الطلاب على تطوير مهاراتهم الفنية والإبداعية.

إن حماية المهنة السينمائية من هذا الاستسهال ليس مجرد أمرًا ضروريًا للحفاظ على قيمتها الفنية، بل هو أيضًا ضروري لضمان جودة الأفلام التي يتم إنتاجها، وللتأكد من أن الجمهور يحصل على محتوى سينمائي ذي قيمة.

يجب أن ندرك أن الإخراج السينمائي هو فن ومهنة تتطلب دراسة متخصصة وخبرة عملية، وأن أي محاولة لتقليل قيمته أو الاستهانة به هي بمثابة إهانة للفن وللفنانين الحقيقيين.

إن الحفاظ على مستوى عالٍ من الجودة في السينما يتطلب من الجميع، من مخرجين إلى نقاد إلى جمهور، تحمل مسؤوليتهم في الحفاظ على هذا الفن العريق.”

*مخرج فلسطيني ومن الذين اسسوا السينما الفلسطينية. ومن اوائل المخرجين الذين درسوا الاخراج، وانجزوا اعمالا هامة.

Post Views30 Total Count

تصفح المواضيع

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Ethical Dimensions in the Digital Age

The Internet is becoming the town square for the global village of tomorrow.

الأكثر قراءة

هاشتاغ

عن زيتون نيوز

زيتون نيوز موقع اعلامي صادر عن مركز رام للدراسات العربية. مختص بالشؤون العربية في كندا، بالاضافة الى الاهتمام بأهم القضايا في الوطن العربي. وهو موقع مهني تشرف عليه الصحفية تغريد سعادة التي تعمل في الصحافة لما يزيد عن عقدين من الزمان.
يقع المكتب الرئيسي في مدينة ادمنتون / ألبرتا. ويعمل على تقديم تغطية شاملة، لكافة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعرب في كندا. 

آخر الأخبار

  • All Posts
  • About Us
  • English News
  • أخبار
  • تحقيقات
  • ثقافة
  • شؤون الجالية
  • شؤون عربية
  • لقاءات
  • مقالات
  • منوعات
    •   Back
    • About us

أقسام

 Zaytoun News © 2024

error: Content is protected !!