سجل في القائمة البريدية

Edit Template

أصوات من غزة

فتحي البلعاوي*

يسرني بادئ ذي بدء أن أقدم الشكر الجزيل و التقدير العظيم لتلفزيون قطر الذي عرض قبل عدة أيام على شاشته الفضية فيلماً تسجيلياً و واقعياً عن قطاع غزة المحتل بعنوان ( أصوات من غزة ) و الفيلم من إعداد أفلام أوجست ليمتد لعام 1988 م و إنتاج ميسون باججي و إخراج أنطونيا كانشيا و هو مجموعة مشاهد حية بالصوت و الصورة و الألوان ، و هو مثير لكوامن الإحساس في نفس كل إنسان …

إنه يسرق الدموع من كل عين ، إنه يحفر اخدوداً طويلاً و عميقاً في أغوار النفس و العقل و القلب و الفكر ، إنه أرغمني على التساؤل :

· هل حقاً ما اشاهده بعيني ؟؟!!!!

· هل صدقاً ما أسمعه بأذني ؟؟!!!

إن كان ذلك كذلك و لا شك أنه كذلك .. فيا رباه ما أعظم هذا الشعب الفلسطيني المعذب الصابر المجاهد !!

و يا رباه ما أشقى الساسة العرب الذين تسببوا في كل هذا الجحيم ..

رباه .. متى يستيقظ العرب و المسلمون من سباتهم العميق ؟! و يستجيبوا لصوت الحق و الجهاد و الحجر .. و متى تتحرك الشعوب ؟ فكل شيء في فلسطين المحتلة تحرك حتى الحجر !! فهل ترون و تسمعون يا بشر ؟؟؟!!!

و بعد :

فهذه لقطة من اللقطات لعائلة فلسطينية نصفها في معسكر” كندا ” رفح المصرية ، و سمي المعسكر بإسم معسكر كندا حيث كانت تعسكر فيه كتيبة من كندا . و النصف الآخر في رفح فلسطين و الفاصل بينهما – واحسرتاه – سلك محروس من الجانبين .

الأولاد يقفون عند السلك من ناحية و بقية الأسرة تقف عند السلك من الناحية الأخرى و تسمع الكثير الكثير من الأسئلة المؤلمة و الإجابة الموجزة ، فتسمع كيف حال فلان ؟ و كيف حال فلانة ؟؟ الأولاد و المدارس ماذا يفعلون ؟ ” إن الشاطر”

له معروف و إنتبهوا فالعلم خير سلاح لنا ، إنهم يريدون تجهيلنا .. نحن هنا بعد إغلاق المدارس نتعلم في البيوت .. هذا طفل في السادسة من عمره بعيد عن أمه بفضل السلك ” المجيد ” يقول : إنني أذهب إلى جارتنا أمهات زملائي و أشعر بحنانهن و لكن أين أمي ؟؟ لعن الله هذا السلك ، و لعن من فرضوه .. و تسيل الدموع على خديه و لكن سرعان ما يمسح دموعه و يقول بكل عفوية : ماذا أصنع يجب أن أتحمل و أصبر كثيراً رغم أنني وحيد .. و يقول الأب ماذا نصنع و السلك المحروس الملعون يقف منذ خمس سنوات حاجزاً أمام الأسرة الواحدة الممزقة و كم قالوا : إن لم الشمل قريب و مضى على هذا القول خمس سنوات حتى الآن ..

و هذا مشهد آخر على أنقاض منزل يقول الأب : لقد أخذوا ولدي من المدرسة الإعدادية و هو موقوف و لم يصدر حكم ضده و لكنهم جاءوا إلى البيت و أخرجونا منه و نسفوه … و تقف الأم مشيرة إلى مكان هنا كان المطبخ .. آه و هنا كانت غرفة خالد ” المعتقل ” و هناك كانت غرفتنا و نحن الآن نعيش على التراب و الأنقاض كما ترون و لكن …

و هذا رجل يقول بصوت هادئ و حزين ماذا نقول لكم ؟؟؟ إن الأرض أرضنا و هذه الأشجار أشجارنا و نحن عمرنا الأرض و زرعناها بعرقنا و جهدنا .. أخذوها بكل بساطة .. و إذا ماتت شجرة ممنوع أن نستبدلها إلا بإذن من السلطات و الإذن يحتاج إلى مشاكل كثيرة و إلى تصريح من وزارة الزراعة و الحاكم العسكري و تقديم طلب رسمي قد يحتاج الرد عليه إلى سنة و غالبا ما يكون الرد سلبياً ؟؟؟!!!

و يبلغ الرجل مداه في الحديث و يقول بكل تهكم و إستهزاء : نحن نشكر ” إسرائيل ” برج الديمقراطية في الشرق الأوسط كما يقول الأوروبيون و من لف لفهم لأنها و حتى الآن لم تركب لنا عدادات على أنوفنا .. نحن مثل العصفور في قفص صغير ممنوع علينا التحرك في أي إتجاه …

إن أقل ما يمكن أن نقدمه للانتفاضة المباركة أرواحنا .. لأنه لا يوجد شعب في الدنيا يحترم نفسه و تاريخه يتخلى عن وطنه .. نحن قررنا الجهاد و الاستشهاد حتى نحرر وطننا مهما كانت الظروف .. و الانتفاضة المباركة مستمرة بإذن الله حتى دحر الاحتلال .. نحن لدينا لجان شعبية للتموين و التعليم و القضاء و الطبابة و كل نواحي الحياة الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية …

… و هذا شاب من معسكر الشاطىء الذي يقع بين مدينة غزة و البحر و يسكنه حوالي خمسون ألف نسمة يقول الشاب : حين ألتقي ببعض الناس من الخارج يسألونني من أين ؟؟؟ فأقول من معسكر الشاطىء فيقول مسرعا كيف أنتم و الحشيش القادم لكم من إسرائيل ؟؟ فأجيبه بالحقيقة إن الانتفاضة قد غسلت نفوسنا و طهرت قلوبنا من كل رجس ، إنتهى ذلك العهد و إلى الأبد إن شاء الله .. و معسكر الشاطىء للعلم فرض عليه حظر التجول 165 يوما و كثيراً ما كانت تقطع المياه و الكهرباء ..

و هذه شابة فلسطينية تتحدث بكل عفوية و صدق .. تقول : كنت خائفة أن أخرج من المنزل خشية أبي و إخوتي و لكن الانتفاضة المباركة غيرت المفاهيم حقا و وجدت نفسي مع بعض زميلاتي في المدرسة نخرج على الشارع و نحمل معنا الإسعاف و هو البصل و الليمون و الكولونيا و بعض القماش و قمنا بإسعاف عدد من إخوتنا من الغازات لأن البصل و الليمون ضد الغازات و رأني والدي و أنا أسعف شاباً فابتسم و تشجعت و بدأت أشارك عملياً في قذف الحجارة و شاركت عملياً في حمل بعض المصابين إلى الأطباء المخلصين الذين يعالجون الجرحى و المصابين في بيوتهم و في كل الأوقات و بالمجان …. و ….

و هنا رأينا سيدة تتحدث بكل جرأة و تقول إنهم يكسرون العظام و لا يفرقون بين البنت و الولد و عرضت بعض القنابل التي لم تنفجر و أنابيب الغاز و كذلك رصاصاً مططياً و هذه سيدة أصابتها رصاصة في ذراعها فتفجرت عظام الكوع و الرصاصة من نوع حديث لم يعرفه الأطباء من قبل و إستطردت قائلة ولدي كسروه و هو في الصف الرابع و إبنتي الصغيرة و عمرها ثلاث سنوات داسوها بالسيارة و أخذوها معهم و بعد ثلاث أيام أحضروها جثة … و رأسها مقطوع ..

و يقول شاب بكل قوة :

الحرية ثمنها غال جداً .. و لا بد من ان ندفع الثمن نحن شعب ” خسران ” سنوات طويلة جداً .. بزيادة ” خسارة كمان شوي” حتى نتحرر و لا سلام بدون حقوقنا … نرفض الإحتلال و نصر على مقاومته حتى يرحل عنا …

و تعود الشابة مرة أخرى لتقول بدي هوية … بدي وطن … بدي حرية … بدي كل شيء بإسم فلسطين … كفاية مرارة و كبت … بدي دولة حرة مستقلة … بدي حياة مستقرة … بدي أكون … و بكت الشابة فأبكت كل شاهد يحمل قلباً و إحساساً و لكنها بسرعة البرق عادت إلى قوتها و رباطة جأشها فمسحت دموعها و قالت : سنستمر في الانتفاضة حتى النصر .

نشر المقال في العرب القطريه في 5 أكتوبر 1989

*كاتب وسياسي واحد مؤسسي حركة فتح .

Post Views22 Total Count

تصفح المواضيع

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Ethical Dimensions in the Digital Age

The Internet is becoming the town square for the global village of tomorrow.

الأكثر قراءة

هاشتاغ

عن زيتون نيوز

زيتون نيوز موقع اعلامي صادر عن مركز رام للدراسات العربية. مختص بالشؤون العربية في كندا، بالاضافة الى الاهتمام بأهم القضايا في الوطن العربي. وهو موقع مهني تشرف عليه الصحفية تغريد سعادة التي تعمل في الصحافة لما يزيد عن عقدين من الزمان.
يقع المكتب الرئيسي في مدينة ادمنتون / ألبرتا. ويعمل على تقديم تغطية شاملة، لكافة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعرب في كندا. 

آخر الأخبار

  • All Posts
  • About Us
  • English News
  • أخبار
  • تحقيقات
  • ثقافة
  • شؤون الجالية
  • شؤون عربية
  • لقاءات
  • مقالات
  • منوعات
    •   Back
    • About us

أقسام

 Zaytoun News © 2024

error: Content is protected !!