تغريد سعادة
منذ الانقسام الفلسطيني، الذي ساعد فيه الاحتلال بكل قوته عبر تمكين حركة حماس وتسليحها لتفرض قبضتها على قطاع غزة عام 2007، أخذت القضية الفلسطينية تتوه في دهاليز المشاريع الإقليمية والدولية التي ترعاها جماعة الإخوان المسلمين بالتعاون مع حليفتها الولايات المتحدة. هذا التنظيم الذي تمدد في المنطقة العربية تحت غطاء الدين والمقاومة، تمكن من ترسيخ وجوده بدعم غير مباشر من القوى الاستعمارية، ليصبح أداة تخدم، من حيث لا يظهر، مشاريع الاحتلال نفسه، رغم الشعارات التي يرفعها حول التحرير والمقاومة.
وحين وصل الإخوان المسلمون إلى الحكم في مصر، ظهرت بوضوح تحولات حماس التي لعبت دورا محوريا في الحرب على النظام السوري، متحالفة مع جماعات مسلحة وتيارات مدعومة من الخارج، رغم أن وجود التنظيمات الفلسطينية في سوريا كان تاريخيا تحت شعار مقاومة الاحتلال. لكنها حاربته لأن مشروعها القائم يتنقل بين “المناضلة” و”الحاكمة” وفق ما تمليه الظروف السياسية والمصالح المرحلية.
منذ عام 2008، بدأت حماس بمحاولات متكررة لخطف الجنود الإسرائيليين للوصول إلى اتفاقات مع الاحتلال تضمن لها حكما مستقرا في غزة. وفي حربها الأخيرة، استخدمت حماس الشعب الفلسطيني وقودا لتحقيق مشروعها السياسي، في معركة كانت غايتها لإعادة تثبيت سلطتها في القطاع. لم تتضح بعد تفاصيل الاتفاق غير المعلن الذي يعتقد أنه تم بوساطة إدارة ترامب، غير أن مؤشراته بدت جلية من خلال منحها الضوء الأخضر لإعادة انتشار قواتها في غزة، بما يضمن لها استعادة الحكم الكامل تحت غطاء “التهدئة الطويلة”. قادم الايام سيوضح كل الملابسات.
هذا المشروع كان يفترض أن يتوج قبل سقوط محمد مرسي، الذي وافق ضمنيا على خطة إقامة “دولة فلسطينية” في غزة تمتد إلى جزء من سيناء، في إطار تفاهمات تصب في مصلحة إسرائيل. فإسرائيل، في جوهر سياستها، تفضل مشروع الإخوان المسلمين على المشروع الوطني الفلسطيني.
وقد تكررت الصورة في سوريا، حيث ظهرت فصائل مثل جبهة النصرة والقاعدة ومشتقاتها من رحم الإخوان، ثم تحولت لاحقا لتقدم في ثوب “الإسلام المعتدل”، وهو النموذج المطلوب أميركيا لإدارة المنطقة تحت شعارات دينية مضبوطة المصالح.
وتبقى تركيا وقطر المثال الأوضح على تجسيد هذا المشروع، علاقات متوازنة مع إسرائيل، وشد وجذب محسوب يضمن المصالح المتبادلة، دون أن يلغي ذلك قاعدة التفاهم الاستراتيجي والدبلوماسي بين الجانبين. في نهاية المطاف، يتقاطع المشروع الإخواني مع المشروع الإسرائيلي تحت مسمى “الدولة اليهودية مقابل الدولة السنية”، أي ترسيم المنطقة طائفيا بما يخدم الاستقرار الإسرائيلي.
أتذكر جيدا كيف تغير خطاب حماس خلال حكم محمد مرسي؛ اختفت حينها كل مفردات “النضال” و”المقاومة”، وأصبح الجناح العسكري خاضعا لتعليمات المكتب السياسي الذي تولى القيادة المباشرة. التزم “القسام” الصمت، وغاب حضوره الإعلامي والميداني، لأن الأولوية كانت لمشروع السلطة لا المقاومة. وهو ليس بعيدا ان تحتفي كل هذه العبارات فجأة الان ضمن الاتفاق مع ترامب.
هذه هي جماعة الإخوان، وهذا هو مشروعها الحقيقي، مشروع باطن يستعمل الشعارات الدينية والوطنية لإضفاء الشرعية على برامجه السياسية، بينما يخون كل مشروع وطني آخر ينافسه، حتى وإن كان صادقا في مواجهة الاحتلال.
