نابلس – زيتون نيوز
تواجه بلدة سبسطية، الواقعة شمال غرب نابلس، خطرا وجوديا متصاعدا، مع تصعيد الاحتلال الإسرائيلي لسياساته الهادفة إلى تهويد المنطقة وسرقة تراثها التاريخي. حيث بدأت سلطات الاحتلال قبل أيام بخطوة عدوانية جديدة تمثلت بإلصاق نسخ من “قرار” تحويل مساحات واسعة من أراضي البلدة إلى ما يُسمى “موقعًا أثريا إسرائيليًا”، في واحدة من أخطر الخطوات على طريق ضم البلدة وطمس هويتها الفلسطينية.
وأوضح رئيس بلدية سبسطية، محمد عازم، أن القرار يقضي بتحويل 1775 دونما من أراضي سبسطية إلى ما يسمى “موقعًا أثريًا إسرائيليًا”، وهو ما يعادل نحو ثلث مساحة البلدة الكلية. واعتبر عازم أن هذه الخطوة ليست سوى امتداد لمخطط “حديقة السامرة” الاستيطاني، الذي يستهدف قلب البلدة التاريخي، ويمثل اعتداء سافرا على حقوق سكانها وعلى الإرث الحضاري الفلسطيني الذي تعود جذوره لآلاف السنين.
وأكد عازم لوكالة الانباء الفلسطينية “وفا”، أن القرار يشكل خرقا صارخا للقانون الدولي الإنساني، ولا سيما اتفاقية لاهاي لعام 1954 واتفاقية اليونسكو لعام 1972، واللتين تضمنان حماية التراث الثقافي للشعوب الواقعة تحت الاحتلال. كما حذر من أن تنفيذ هذا القرار سيمنع السكان من الوصول إلى أراضيهم، ويمنع الزراعة والبناء وأي نشاط اقتصادي أو سياحي، ما يهدد مصادر رزقهم ويفرض عليهم واقعًا من التهجير القسري غير المعلن.
ودعا عازم المجتمع الدولي، وخصوصا منظمة اليونسكو، إلى التدخل العاجل ووقف هذا الإجراء الخطير، مطالبا بمحاسبة الاحتلال على سياساته الاستيطانية التي تستهدف الوجود الثقافي والإنساني الفلسطيني، ومؤكدا أن الدفاع عن سبسطية هو دفاع عن العدالة والتاريخ، وعن هوية فلسطين الحضارية.
يأتي هذا القرار بعد أسابيع من تقديم عضو “الكنيست” عن حزب “الليكود”، عميت هاليفي، مشروع قانون لضمّ الآثار في الضفة الغربية إلى “سلطة الآثار الإسرائيلية”، تحت ذرائع تاريخية ملفقة. وقد أحيل المشروع إلى “لجنة التعليم والثقافة”، ما يعني بدء العمل على تطبيقه فعليا، وهو ما يبدو واضحا في خطوة سبسطية الأخيرة.
من جهته، أكد مدير السياحة والآثار في نابلس، ضرغام الفارس، أن الإعلان الإسرائيلي عن المنطقة كموقع أثري تابع للاحتلال، هو الأخطر على الإطلاق، لأنه يعني إخضاع الأراضي المستهدفة للقوانين الإسرائيلية بالكامل، ما سيفرض قيودا صارمة على دخول المواطنين لأراضيهم.
وأوضح الفارس أن المخطط لا يقتصر على سبسطية فقط، بل يشمل منطقة المسعودية المجاورة، حيث تم تعليق قرارات مماثلة بشأن محطة قطار المسعودية، ضمن سياسة “الأسرلة” الثقافية التي تنفذها سلطات الاحتلال.
وأضاف أن المجلس الاستشاري للسياحة والآثار في نابلس يتابع الملف عن كثب، وسيتخذ خطوات قانونية وتحركات دولية لوقف هذا التصعيد الخطير.
وتواجه سبسطية منذ سنوات حملة منظمة من مجلس المستوطنات، تهدف إلى فرض واقع استيطاني على البلدة، عبر تنظيم اقتحامات يومية للمواقع الأثرية تحت حماية جيش الاحتلال، ما تسبب في تراجع عدد الزوار الفلسطينيين والأجانب، وأثر بشكل مباشر على مصادر دخل العائلات التي تعتمد على السياحة من المطاعم والمتاجر إلى الأدلاء السياحيين.
تعد سبسطية واحدة من أغنى المناطق الأثرية في فلسطين، وتحتضن مواقع فريدة مثل، شارع الأعمدة الرومانية، مقام ومسجد النبي يحيى، الأسقفية الرومانية، المدرج الروماني والمحكمة القديمة، البرج اليوناني الوحيد في فلسطين، المقبرة الملكية الرومانية. وكلها اليوم تواجه خطر التحول إلى “مواقع أثرية إسرائيلية”، في محاولة صريحة لتزوير التاريخ وسرقة هوية المكان.
ما يجري في سبسطية هو أكثر من اعتداء على الأرض؛ إنه محاولة لمحو الذاكرة، وتشويه الرواية، وسرقة التاريخ. وواجب اللحظة لا يقتصر على التنديد، بل يتطلب تحركا عاجلا على المستوى الشعبي والدولي، لحماية ما تبقى من الإرث الحضاري الفلسطيني، ومنع سبسطية من أن تكون محطة جديدة في قطار التهويد.
