تغريد سعادة
شكل يوم أمس حدثا تاريخيا للشعب الفلسطيني باعتراف مزيد من دول العالم بالدولة الفلسطينية، حيث ارتفع عدد الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية إلى 159 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة ويتوقع ان يزيد.
ويضم هذا العدد دولا كانت دائما تحسب على المحور المعادي أو الداعم للاحتلال الإسرائيلي، مما يمثل تحولا فارقا ليس فقط في الاعتراف بوجود دولة للشعب الفلسطيني، بل يتعدى ذلك لتصبح دولة تحت الاحتلال. وهذا التعريف في القانون الدولي يمثل عامل ضغط مهما لصالح تقرير المصير للشعب الفلسطيني الذي عانى عقودا طويلة من الاحتلال والتهجير والتنكيل.
بدأت المسيرة في 15 نوفمبر 1988 خلال انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر، حينما أعلن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قيام دولة فلسطين. وكانت الجزائر أول دولة تعترف رسميا بها. ومنذ ذلك الحين بدأت الدول بالاعتراف بفلسطين.
شهدت السنوات التالية تطورات كبيرة على الصعيد الدولي، ففي عام 2012 وبفضل الدبلوماسية الفلسطينية، حصلت فلسطين على صفة “دولة مراقب غير عضو” في الأمم المتحدة بدعم 138 دولة. وفي عام 2016، اعتمد مجلس الأمن القرار رقم 2334 الذي أكد على عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وطالب بوقف الاستيطان، مع التأكيد على أن أي تغييرات على حدود 1967 لن تكون مقبولة إلا باتفاق بين الطرفين.
وفي مايو 2024، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية 143 صوتا قرارا يدعم طلب فلسطين للحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، ليصل عدد الدول المعترفة بها إلى 148 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة.
وفي يوليو 2024، قضت محكمة العدل الدولية بأن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني، وطالبت بإنهائه في أسرع وقت ممكن، بما في ذلك وقف الأنشطة الاستيطانية وإجلاء المستوطنين وتقديم التعويضات.
الاعتراف الدولي بدولة فلسطين يحمل دلالات قانونية واضحة، حيث يعترف بالشعب الفلسطيني وقيادته الممثلة بمنظمة التحرير وحقوقه وحدوده وحكومته. ويتيح هذا الاعتراف في تمثيل الشعب الفلسطيني والدفاع عن حقوقه، بما في ذلك تفعيل القوانين المحلية لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين. كما يسهم الاعتراف في تطوير العلاقات الاقتصادية وتمكين الحكومة الفلسطينية ماليا وتعزيز قدرات مؤسسات الدولة وبنيتها التحتية، بما يعزز مكانة فلسطين على المستوى الدولي.
من الناحية القانونية، يرى بعض الخبراء أن الاعتراف بفلسطين يعزز حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني ويفتح المجال للانضمام إلى المؤسسات والمعاهدات الدولية. وحسب قانونيين، فإن اعتبار فلسطين دولة تحت الاحتلال الإسرائيلي يحمل أبعادا قانونية وسياسية جوهرية، فهو يعزز شرعية فلسطين ويضع الاحتلال الإسرائيلي في موقف قانوني صعب، ويلزم المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه حماية حقوق الشعب الفلسطيني وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية. فقد أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة من خلال قراراتها المتكررة على شرعية دولة فلسطين على حدود 4 يونيو 1967 وعلى ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، مما يفتح آفاقا قانونية وسياسية لتفعيل تلك القرارات واتخاذ إجراءات عملية على الأرض.
الأثر السياسي والقانوني للاعتراف بفلسطين كدولة تحت الاحتلال يشمل ايضا وفقا لقانونيين، فرض التزامات دولية على الاحتلال الإسرائيلي، حيث يصبح خاضعا لمسؤوليات واضحة ويترتب على المجتمع الدولي مراقبة تطبيق هذه الالتزامات ومحاسبة الاحتلال على أي خروقات. كما يساهم الاعتراف في حماية حقوق الفلسطينيين ورفع الغطاء عن الاحتلال، من خلال تأكيد حق تقرير المصير وحق العودة للاجئين وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، ويكفل رفض الاحتلال وفرضه على الشعب الفلسطيني.
ويؤكد خبراء في القانون الدولي، ان الاعتراف يدفع بتفعيل قرارات الشرعية الدولية، بما يشمل قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة، واتخاذ إجراءات عملية لوقف الاحتلال وإنهاء الانتهاكات، مما يفتح آفاقا جديدة للعمل الدولي والضغط على الاحتلال. وتترتب مسؤوليات كبيرة على المجتمع الدولي، خاصة مجلس الأمن والأطراف الفاعلة في القانون الدولي، وتشمل مراقبة تطبيق القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، ودعم مؤسسات دولة فلسطين في تطوير بنيتها القانونية والسياسية، واتخاذ إجراءات ملموسة لمحاسبة الاحتلال على الانتهاكات، بما في ذلك دعم آليات العدالة الدولية.
الاعتراف الدولي بفلسطين كدولة تحت الاحتلال يشكل خطوة أساسية تعزز شرعيتها القانونية والسياسية، ويوفر أدوات ضغط دولية فعالة على الاحتلال. كما يساهم هذا الاعتراف في حماية حقوق الشعب الفلسطيني، ويشكل إطارا دوليا لإيقاف الحرب في قطاع غزة وتوفير الحماية لسكانه بعد عامين من المعاناة والمجازر التي ارتكبها نتنياهو. إضافة إلى ذلك، يعزز الاعتراف حماية الفلسطينيين في الضفة الغربية، حيث يواصل الاحتلال تنفيذ سياسات الاستيطان بلا هوادة.
