تغريد سعادة
من أخطر ما يواجه المجتمع الفلسطيني اليوم ليس فقط الاحتلال وما يفرضه من حصار ودمار ومجازر في الضفة والقطاع، بل أيضا الإرهاب الفكري الداخلي الذي يمارسه بعض القوى السياسية ومناصريها وتحديدا اليسارية والاسلامية. فقد بات من المعتاد أن يتهم كل من يختلف مع هذه القوى في الرأي بأنه خائن أو مأجور، وكأن الوطنية صكوك يوزعها هذا الطرف أو ذاك.
هذا السلوك ليس مجرد خلاف في وجهات النظر، بل هو عملية إقصاء ومحاصرة للرأي الآخر، ومحاولة لفرض رؤية أحادية على مجتمع متعدد المشارب والانتماءات. وهو في جوهره شكل من أشكال الاستبداد الفكري، لا يقل خطورة عن الاستبداد السياسي، لأنه يغلق باب الحوار ويزرع الكراهية داخل الصف الوطني.
لقد آن الأوان لإعادة تعريف مفهوم الوطنية. فالوطنية ليست ملكا لحزب أو تيار أو أيديولوجيا، بل هي التزام جماعي بحق فلسطين علينا جميعا. لا أحد يمكن أن يدعي أنه أكثر وطنية من الآخر لمجرد تبنيه أيديولوجية يسارية أو إسلامية.
إن استمرار هذا النهج التخويني يعني تمزيق النسيج الاجتماعي الفلسطيني من الداخل. لذلك، لا بد من صياغة ميثاق شرف وطني، يلتزم فيه الجميع بضوابط الحوار وآداب الاختلاف، ويضع خطوطا حمراء أمام تهمة “الخيانة” التي أصبحت ترمى جزافا.
و نطالب هنا مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية للعمل على صياغة مسودة، واقرارها من كل فصائل المنظمة، بالشراكة مع النخب الفكرية والأكاديمية والإعلامية. المسؤولية مشتركة لحماية الوعي الشعبي والإعلامي.
ما يحدث اليوم كارثة حقيقية، بدل أن نوجه طاقاتنا لمواجهة الاحتلال، يستهلك مجتمعنا نفسه في تبادل الاتهامات والتخوين. والمطلوب هو وعي جمعي يرفض هذا الإرهاب الفكري، ويعيد الاعتبار للحوار المسؤول كطريق وحيد لبناء وحدة وطنية صلبة.
