سجل في القائمة البريدية

Edit Template

الجدة الكندية مود لويس: ايقونة الفن التجريدي وصانعة معجزة الفرح

تغريد سعادة

في متحف الفن بألبرتا، الواقع في وسط العاصمة ادمنتون مقاطعة ألبرتا الكندية، وفي الطابق الثاني تحديدا من هذا المتحف الذي بني عام 1924، ثمة معرضا للرسومات تلمس فيه احساس عالي ومتميز.

 رسومات بخطوط متقنة وألوان خلابة. وعلى قدر بساطته على قدر ما تشعر بالابداع. 

هناك حيث قام معرضا لرسومات الفنانة الكندية والتي تعتبر من الارث الاصيل للفن التشكيلي الكندي مود لويس. هذه الفنانة التي صنعت تاريخا يحتفي به الكنديون والفن الكندي، وتركت بصمة في عالم الفن التشكيلي العالمي خاصة التجريدي.

ولمود قصة حزينة لا تشبه رسمها، بل هي نقيض اعمالها، فمن هي:

ولدت مود في بلدة يارموث في مقاطعة نوفا سكوشا، احدى اهم المقاطعات الكندية السياحية الخلابة التي تتميز بجمال الطبيعة، وتعني باللاتينية اسكتلندا الجديدة، عام 1903.

  أمضت مود معظم وقتها بمفردها، ولم تختلط مع الاخرين لأنها شعرت باختلافها عن الأطفال الآخرين. وكانت تتعرض باستمرار للسخرية والاستهزاء في المدرسة والحي التي سكنت فيه. ولدت بتشوهات خلقية بلا ذقن وصغيرة الحجم وضعيفة. لها أكتاف منحدرة بشكل حاد، وانحناء في عمودها الفقري واعاقة باليدين.

عانت في حياتها من الام المفاصل، ولم يكن بمقدور أطبائها فعل الكثير. ولم يتم تشخيص حالتها في حياتها وشخص مرضها لاحقا بالتهاب المفاصل الروماتويدي.

والدها كان صانع احذية ووالدتها كانت تحب الأنشطة الفنية بما في ذلك الرسم والنحت الشعبي والموسيقى. 

تعلمت مود العزف على البيانو والرسم والتلوين. إلى جانب فنون الخياطة والزخرفة مثل التطريز والحياكة ، وكانت تعتبر هوايات للفتيات من الطبقة المتوسطة. التحقت بمدرسة من غرفة واحدة في جنوب أوهايو. وأكملت الصف الخامس في سن الرابعة عشرة. تقول سيرتها الذاتية هذا التخلف بالصفوف بسبب صحتها.

واوضح كاتب سيرتها الذاتية، لانس وولافر ، أن إعاقتها ، التي أصبحت أكثر حدة مع تقدمها في العمر، أدت إلى تركها المدرسة في وقت مبكر. في رأيه ، “يبدو من المحتمل أن المرض وتشوهاتها الجسدية لعبت دورا في قرار ترك المدرسة.

البدايات 

بدات مسيرتها الفنية برسم بطاقات عيد الميلاد. ساعدتها امها أغنيس داولي حيث كانت مود ترسم البطاقات، وامها تبيعها. 

مات والديها وعاشت مع شقيقها بعض الوقت، لتفاجأ ببيعه منزل والدية والتخلي عنها، خلال زيارتها لعمتها إيدا جيرمان، في بلدة ديغبي،  مما اضطرها للبقاء معها. 

وعلى الرغم من عدم معرفة الكثير عن حياة مود الشخصية قبل زواجها ، إلا أن إحدى الحقائق المهمة أنها أنجبت طفلة ، تدعى كاثرين داولي (لاحقًا مويس) في عام 1928.

ووفقا لكاتب سيرتها فان مود لم تعترف أبدا بكاثرين كطفلة لها. وفصل وولافر في سيرتها هذا الجانب في كتابه عن مود لويس، القلب على الباب، كان قادرا على الاتصال بأحفاد لويس.

في مقابلة صحفية عام 2017 ، يروي وولافر أن لويس رفضت كاثرين داولي، وقالت مود ان طفلي ولد ميتا، انا لست والدتك. وكان لها ثلاثة أحفاد في ذلك الوقت. لم تقبل مود طفلتها قط.

في خريف عام 1937 ، طرح إيفريت لويس ، بائع أسماك متجول يبلغ من العمر أربعة وأربعين عاما ، إعلانات في بعض المتاجر المحلية. كان يبحث عن امرأة لتعمل في البيت براتب متواضع للغاية الا انها تقدمت للوظيفة من اجل البحث عن ذاتها، وانتقلت للعيش في بيته الصغير في مارشال تاون ، خارج ديغبي مباشرة.

الحياة الجديدة

انتقلت مود إلى منزل إيفريت وهو مكون من غرفة واحدة بجانب الطريق السريع، على الرغم من أنه تم استخدام دور علوي للنوم.

سقف الطابق الأرضي يبلغ علوه أقل من ستة أقدام. أفاد العديد من زوار المنزل على مر السنين أن إيفريت اضطر إلى إمالة رأسه لتجنب الاصطدام بالسقف عندما كان واقفا.

كان للمنزل نافذتان في الطابق الأرضي، وكانت هناك نافذة صغيرة في الطابق العلوي لغرفة النوم.

لم يكن هناك كهرباء أو مياه جارية. كانت مرافق المرحاض عبارة عن مبنى خارجي في الفناء، ويتم الاستحمام بحوض غسيل أو حوض صغير مملوء من البئر ، مع تسخين الماء على الموقد.

بعد مدة من تواجدها معه، تقدم لخطبتها. في يوم زفافهما ، كانت لويس تبلغ من العمر ستة وثلاثين عاما. 

كان زوجها إيفرت لويس حاد الطباع الا انه لعب دورا هاما في دعم فنها. حيث كان يقطع لها الشجر لترسم عليه. كما كانت ترسم على كل شيئ في البيت، الحائط، والستائر والابواب والشبابيك.  

رسمت أيضًا على أصداف المحار، والتي كانت متوفرة على نطاق واسع على شواطئ ديغبي. ورسمت عليها القطط والزهور والفراشات كأطباق ومنافض السجائر.

وجاءتها فرصة بيع احد لوحاتها لسيدة من المجتمع الراقي التي زارت المنزل لتشتري السمك من زوجها، ورات لوحاتها هناك وكانت بدايات التعرف على فنها والتوافد لشراء لوحاتها.

رافقت مود لويس زوجها في جولاته اليومية وهو يبيع السمك من الباب إلى الباب ، ويحضر معه بطاقات عيد الميلاد التي كانت قد رسمتها. كانت تبيع البطاقات بخمسة سنتات لكل منها. أثبتت هذه البطاقات شعبيتها لدى زبائن زوجها، وبدأت بالرسم. شجع إيفريت لويس على الرسم ، واشترى لها أول مجموعة من الزيوت.كان يقوم باعمال المنزل ويطبخ لها ليكون لديها الوقت الكافي للرسم.

خلال حياتها ، عملت في مقطورة مستعملة تم إعدادها بجانب المنزل، وهو ترتيب للحصول على مساحة إضافية. ومع ذلك ، تسبب التهاب المفاصل لديها في المزيد من الألم ، وأصبح الرسم أكثر صعوبة. 

في عام 1968 سقطت وكسرت وركها، وبعد ذلك تدهورت صحتها بشكل سريع. ومع ذلك ، عندما دخلت المستشفى، قامت بعمل بطاقات لممرضاتها. 

في عام 1970 توفت مود في المستشفى بسبب التهاب رئوي، ودفنت في أرض عائلة إيفريت في مارشال تاون. تم إدراج اسمها تحت اسم  والديها مود داولي.

تقول سيرتها الذاتية كان زوجها إيفريت لويس يتحكم في الأموال، واشتهر بأنه بخيل – تم تداول القصص عن وجود أموال مدفونة في الفناء الخلفي، أو تحت ألواح الأرضية. عندما كان إيفريت في السادسة والثمانين من عمره، بعد 9 سنوات على وفاة مود ، اقتحم شاب المنزل بحثًا عن الكنز وقتله. لقد ترك أكثر من

 22000 دولار في حساب بنكي، بالإضافة إلى عبوات مليئة بالنقود المخبأة حول المنزل. يقدر كاتب سيرة مود، لانس وولافر أن إيفريت ربما كان لديه ما يصل إلى 40 ألف دولار عند وفاته.

في عام 1984، تم بيع المنزل الذي سكنته مود إلى مقاطعة نوفا سكوشا وتم تسليمه إلى معرض الفن بالمقاطعة.

في عام 1996، بدأت عمليات الحفظ والترميم لمنزلها بتمويل من وزارة التراث الكندى الفيدرالية ومن المتبرعين.

ونقل بيت مود لويس الذى تم ترميمه إلى معرض الفنون في نوفا سكوشا بعد أن غطى كل سطح المنزل الصغير بلوحات مبهجة تمثل مجموعات من الزنبق والطيور والفراشات. المنزل النهائى الذى تم ترميمه بالكامل معروض بشكل دائم في معرض الفنون في نوفا سكوشا.   

فنها

استخدمت مود الألوان الزاهية في لوحاتها، وعرفت برسومها التي تهتمّ برسم مظاهر الحياة الريفية والحيوانات والطبيعة.

كانت موضوعاتها غالبا أزهار أو حيوانات، بما في ذلك الثيران والخيول والطيور والغزلان والقطط والابقار. ولديها لوحات عبارة عن مشاهد خارجية. 

كانت لوحاتها مستوحاة من ذكريات الطفولة عن المناظر الطبيعية والأشخاص حول بلدة يارماوث ، مسقط رأسها، وجنوب أوهايو ، كما أثرت على فنها بطاقات عيد الميلاد التي كانت تبيعها منذ صغرها.

غالبًا ما تكون لوحاتها صغيرة جدًا – لا يزيد حجمها غالبًا عن ثمانية في عشر بوصات، على الرغم من أنه من المعروف أنها قامت بخمس لوحات على الأقل 24 بوصة في 36 بوصة.

كان الحجم محدودا بمدى قدرتها على تحريك ذراعيها ، اللتين تأثرتا بالتهاب المفاصل.

عرف عنها استخدامها تقنية طلاء اللوح أولاً باللون الأبيض، ثم رسم مخطط، وتطبيق الطلاء مباشرةً من الأنبوب. لم تمزج أو تخلط الألوان أبدا.

رسمت اوراق الخريف في فصل الشتاء والثيران ذو الارجل الثلاثة.

في احد لقاءاتها الصحفية تحدثت عن فنها وقالت “أضع نفس الأشياء ، ولا أتغير أبدا”. “نفس الألوان ونفس التصميمات“.  

وتابعت الحديث عن مصدر صورها: “أتخيل أنني أرسم من الذاكرة ، لا أنسخ كثيرا. علي فقط أن أخمن عملي ، لأنني لا أذهب إلى أي مكان. أنا أصمم تصاميمي الخاصة.“

وقالت، أنا سعيدة هنا طالما أمتلك فرشاة أمامي ، فأنا بخير.  

 كانت لوحاتها تباع مقابل دولارين أو ثلاثة دولارات لكل منهما. وفي السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة من حياة لويس بدأت لوحاتها في البيع مقابل سبعة إلى عشرة دولارات.

 حصلت على الاهتمام الوطني الكندي كفنانة شعبية بعد مقال في ستار ويكلي ومقرها تورونتو في عام 1964.

اقتنى البيت الأبيض خلال عهد الرئيس رتشارد نيكسون، لوحتين بتوقيعها. تسرد سيرتها الذاتية انها طلبت ثمن اللوحتين قبل ارسالهما للبيت الابيض.

وتتراوح أسعار أعمالها الان بين 30 الف دولار الى 600 الف دولار. 

شكلت حالة خاصة وايقونة للفن برغم كل الماساة التي عاشتها الا انها واجهت كل ذلك بتحدي الفرح والحياة والجمال. كان واضحا من رسومتها التي تشي بفرح كبير عارم في داخلها.

تم تكريم لويس في يوم التراث الإقليمي لعام 2019. وتم إصدار طابع بريدي يعرض فنها. 

وفي عام 2009 ، أنتج معرض الفنون في نوفا سكوشا ، مسرحية امرأة واحدة، عن حياة مود لويس. 

كما انتج فيلم درامي طويل عنها عام 2016 كتبت السيناريو شيري وايت  بعنوان مودي Maudie. عرض لأول مرة في كندا في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي لنفس العام. وأخرجت الفيلم أيسلينج والش. وهو من بطولة سالي هوكينز في دور مود وإيثان هوك في دور إيفريت لويس.

 لها نصب تذكاري في بلدة مارشال تاون.

اهتمت بها الصحافة المحلية الكندية في حياتها، واجرت العشرات من اللقاءات الصحفية والاذاعية والتيلفزيونية. وانتجت افلام وثائقية عن حياتها وفنها.

في متحف البرتا للفن، تحتفل بها المقاطعة لشهر كامل – مايو. يعرض جميع اعمالها كما يعرض الفيلم الدرامي عن حياتها في المكان نفسه. لترى مثالا حقيقيا لتحدي الاعاقات الجسدية والماساة وقسوة الحياة في رسومات اقل ما يمكن قوله حينما تراها مبهجة للغاية ولا تملك الا ان تبتسم. انها تبعث الفرح بشكل غريب. في هذه الزيارة كان اشباعا للروح افتقدته منذ زمن، زوتني به الجدة الكندية موسى كما يحب ان يسميها الكنديين تيمنا بالرسامة الامريكية الشهيرة آنا ماري روبرتسون والشهيرة بالجدة موسى والتي تقترب تجربتها بتجربة مود لويس التي لم تدرس الفن، ولكنها رسمت وابدعت بالفطرة.

Post Views32 Total Count

تصفح المواضيع

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Ethical Dimensions in the Digital Age

The Internet is becoming the town square for the global village of tomorrow.

الأكثر قراءة

هاشتاغ

عن زيتون نيوز

زيتون نيوز موقع اعلامي صادر عن مركز رام للدراسات العربية. مختص بالشؤون العربية في كندا، بالاضافة الى الاهتمام بأهم القضايا في الوطن العربي. وهو موقع مهني تشرف عليه الصحفية تغريد سعادة التي تعمل في الصحافة لما يزيد عن عقدين من الزمان.
يقع المكتب الرئيسي في مدينة ادمنتون / ألبرتا. ويعمل على تقديم تغطية شاملة، لكافة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعرب في كندا. 

آخر الأخبار

  • All Posts
  • About Us
  • English News
  • أخبار
  • تحقيقات
  • ثقافة
  • شؤون الجالية
  • شؤون عربية
  • لقاءات
  • مقالات
  • منوعات
    •   Back
    • About us
    •   Back
    • Art and Cinema
    • Interviews

أقسام

 Zaytoun News © 2024

error: Content is protected !!