تغريد سعادة
عادت إلى الواجهة، في الايام الأخيرة، أخبار تتناول جماعات مسلحة تنشط في قطاع غزة، خاصة بعد تداول تقارير إعلامية عن مجموعة يُعتقد أنها تابعة لياسر أبو شباب، يُشتبه في ارتباط بعض عناصرها بتنظيم “داعش” و”جيش الإسلام”. وقد أعادت هذه التقارير التذكير بتعقيدات مشهد الجماعات الاسلامية في القطاع، الذي شهد تحولات كبرى منذ سيطرة حركة حماس على غزة عام 2007.
ورغم هيمنة حماس على الحكم في غزة، برزت عبر السنوات جماعات إسلامية متشددة اتخذت من السلفية الجهادية مرجعية فكرية، وظهر بعض قادتها من خارج القطاع، خاصة بعد موجات “الربيع العربي“ الذين تسللوا لقطاع غزة وتحديدا من سوريا. لكن سرعان ما اعتبرتهم حماس تهديدا لأمنها وسلطتها، فخاضت ضدهم معارك، قتلت منهم الكثير واعتقلت الباقين.
جند أنصار الله:
في أغسطس 2009، أعلن عبد اللطيف موسى، الملقب بـ”أبو النور المقدسي”، زعيم جماعة جند أنصار الله، قيام “إمارة إسلامية في أكناف بيت المقدس” خلال خطبة الجمعة في مسجد ابن تيمية برفح. لم تمض ساعات حتى شنت حماس عملية عسكرية عنيفة ضد المجموعة، أدت إلى مقتل المقدسي وعدد من أتباعه. رغم ذلك، استمرت الجماعة في إطلاق صواريخ على إسرائيل حتى 2010، قبل أن تختفي فعليا عن الساحة.
جيش الإسلام:
تأسس جيش الإسلام عام 2005 بقيادة عشيرة دغمش في غزة، وشارك مع حماس في عملية اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2006. إلا أن الخلاف دب بين الطرفين، بعد اختطاف جيش الإسلام للصحفي البريطاني آلان جونستون في 2007 لإحراج حماس. وبعد أن استولت الأخيرة على الحكم، قامت بقمع أنشطة الجماعة، التي استمرت في تنفيذ هجمات على أهداف مدنية ومسيحية في القطاع.
خاضت الجماعة، في 2008، مواجهة مسلحة ضد حماس. لاحقا، شارك بعض عناصرها في التمرد في سيناء، وقاموا بتهريب مقاتلين من وإلى غزة. وفي 2019، وصفت حماس بأنها “جماعة مرتدة“.
جيش الأمة:
تشكل جيش الأمة في يونيو 2007، وأعلن لاحقا تحالفه مع تنظيم القاعدة. هاجم حماس لعدم تطبيقها الشريعة الإسلامية، لكنه رغم الخلافات الأيديولوجية، قاتل إلى جانبها في حروب غزة أعوام 2012 و 2014، وأعلن مسؤوليته عن عمليات إطلاق صواريخ في 2019 و 2021 و 2023.
سيوف الحق:
تعمل هذه الجماعة في بيت حانون شمال غزة، ويقودها أبو صهيب المقدسي، وهو رجل دين سابق في حماس. شنت الجماعة هجمات على مقاهي إنترنت ومدارس ومسيحيين محليين، كما اغتالت مسؤول في الأمن الفلسطيني عام 2007. في أحد بياناتها، هددت المذيعات التلفزيونيات بـ”الذبح” إن لم يتوقفن عن ارتداء الملابس الغربية. اتُهمت حماس تمويل المجموعة، لكنها نفت ذلك.
السلفية الجهادية:
برزت جماعات سلفية جهادية أخرى تبنت خطابا متشددا ضد المسيحيين والمؤسسات التعليمية. طالب زعيم إحدى الجماعات، أبو صقر، بفرض “الحكم الإسلامي” في غزة، مهاجما حماس لعجزها عن تطبيق الشريعة. ويُشتبه في ان الجماعة مسؤولة عن هجمات على مدارس الأمم المتحدة وأنشطة رياضية مختلطة.
جلجلة:
تُعد جلجلة من الجماعات الصغيرة في العدد، لكنها تحمل طموحا لتوحيد السلفيين في غزة. تضم عناصر سابقة في حماس وتتبع الفكر السلفي الجهادي. استخدم قادة حماس اسم “جلجلة” في سياق الإشارة إلى الجماعات التي سعى قائد جند أنصار الله خالد بنات لتوحيدها بعد عملية “الرصاص المصبوب“.
الجهاد الإسلامي:
تملك حركة الجهاد الإسلامي عدة آلاف من المقاتلين، لكنها لا تملك النفوذ الاجتماعي لحماس. ترفض المشاركة في الانتخابات الفلسطينية أو أي تسوية سياسية، وتحظى بدعم من إيران. خاضت اشتباكات دموية مع حماس بعد 2007، لكنها لاحقا التزمت بتنسيق مع الحركة بفعل الظروف التي يعيشها القطاع في حروبه مع الاحتلال.
ورغم إعلان حماس القضاء على معظم الجماعات، تشير بعض التقديرات إلى بقاء مجموعتين أو ثلاث ناشطات الى جانبها والجهاد الاسلامي، أبرزها “جيش الأمة” و”التوحيد والجهاد”، وربما “أنصار السنة”. أما الجماعات الأخرى، فتقتصر على أفراد معدودين ولا تشكل تهديدا فعليا للهيمنة الأمنية لحماس قبل السابع من اكتوبر.
يبدو أن حماس، رغم إمساكها بزمام السلطة في غزة قبل السابع من اكتوبر 2023، كانت تدير حالة من التوازن الحذر مع الجماعات الإسلامية الأكثر تشددا. وبينما تلجأ أحيانا إلى القمع المباشر، فإنها تضطر في أحيان أخرى إلى التعايش مع بقاياها وتفادي مواجهات مفتوحة حفاظا على الاستقرار الداخلي، لا سيما في ظل الضغط الإسرائيلي والحصار المستمر.
ويكشف تاريخ هذه الجماعات عن مشهد بالغ التعقيد، يتداخل فيه الديني بالسياسي، والمحلي بالإقليمي، والسلفي الجهادي بالحكم الواقعي، في قطاع لا تزال الانقسامات فيه تنعكس حتى داخل المعسكر الإسلامي ذاته. وفي ظل تراجع قبضة حماس على الأرض بسبب الحرب والضغط العسكري المتواصل، يُتوقع أن تحاول هذه الجماعات المتشددة الظهور من جديد، مستغلة حالة الفراغ الأمني والسياسي لإعادة التموضع وفرض نفوذها.
