عبد الرزاق الربيعي
رغم مرور أيام على النزال الذي أقيم في تكساس بالولايات المتحدة بين الملاكم الشهير مايك تايسون ومنافسه الملاكم واليوتوبر، جيك بول، إلّا أنّ تداعياته ما زالت تشغل وسائل الإعلام، وقد تعرّض تايسون لانتقادات كونه دخل نزالا خاسرا سلفا، فقد بلغ من الكبر عتيّا، بينما منافسه يصغره بأكثر من (31 )عامًا، وجيك بول صانع محتوى وممثل، والأمر بالنسبة له زيادة أعداد متابعين، وشهرة وثراء، وخوض هذا اليوتوبر النزال يعني أنّ صنّاع المحتوى قادرون على دخول مختلف المجالات، لِمَ لا؟ وسلطة الإعلام الجديد بأيديهم! النزال، وهاهو يوتوبر يعيد بطلا من أبطال العالم للملاكمة لحلبة النزال بعد انقطاع بلغ (19) سنة !
والواضح أن تايسون دخل ليس بنيّة الفوز، بل لكسب المال، بعد أن مرّ بأزمات عديدة، وتراكمت عليه الديون، خصوصا أن هذه النزالات تدرّ على المتبارين مبالغ طائلة، يجنونها من أرباحها، ويكفي أنّ سعر تذكرة كبار الزوار بلغت مليوني دولار، ولنا أن نتخيّل الأموال التي كسبها القائمون على هذا النزال الذي أعاد إلينا أمجاد الملاكم محمد علي كلاي وهناك عدّة نقاط تشابه، بين كلاي وتايسون، فكلاهما من ذوي البشرة السمراء ونشأ في ظروف صعبة بمجتمع عنصري، وكلاهما أعلن اسلامه وانتماءه لقضايا كبرى، فكلاي رفض انضمامه للجيش الأمريكي أيام حرب فيتنام عام 1967م ودفع ثمن موقفه غاليا، فقد أُنتزع منه لقب بطل العالم للوزن الثقيل، وكان نجمه قد لمع بدءا من عام 1960 عندما حصل على ذهبية الوزن الثقيل في دورة روما الأولمبية 1960، فيما لف تايسون جسمه بعلم فلسطين، وكلاهما عاد ليجرب حظّه بعد توقف، مع اختلاف النتيجة، فكلاي عاد للملاكمة في 30 أكتوبر 1974، في زائير (جمهورية الكونغو) بعد انقطاع عن خوض النزالات والتدريب استمرّ سنوات، ليخوض نزالا أمام جورج فورمان الذي يصغره بسبع سنوات( فورمان ولد عام 1949م فيما ولد كلاي عام 1942م)، وصار النزال حديث الناس، فأسمته وسائل الإعلام “قتال في الغابة”، وُعدّ أعظم حدث رياضي في القرن العشرين ، شاهده حوالي مليار مشاهد ، في وقت لم تكن به فضائيات ولا وسائل التواصل الاجتماعي، وحقّق إيرادات بلغت 100 مليون دولار في ذلك الوقت، لكن نهاية النزالين كانت مختلفة، فقد انتهت مباراة مايك تايسون (58 عاماً) مع جيك بول الملاكم واليوتوبر (27 عاماً)، بهزيمة تايسون بالنقاط، في الجولة الثامنة، فيما تمكّن محمد علي كلاي من إلحاق الهزيمة بفورمان بالضربة القاضية في الجولة الثامنة، في مباراة أبهرت العالم، يقول فورمان أنه كاد أن يحقّق الفوز لولا أن كلاي همس بأذنه “أهذا كل ما لديك؟” فأثار في نفسه الرعب، وتغيّرت موازين المعادلة، فقد هزمه نفسيا قبل أن يهزمه على حلبة النزال، فكسب القتال، واستعاد اللقب وصار حديث الناس ومنهم الشعراء، ومن بينهم الشاعر محمد مهدي الجواهري الذي كتب في عام 1976 م قصيدة عنوانها “رسالة إلى محمد علي كلاي”:
شِسْع لنعلِك كلُّ موهبةٍ وفداء زندك كلُّ موهوبِ
كم عبقرياتٍ مشت ضرماً في جُنح داجي الجنْحِ غِربيب!
يا سالباً بجماع راحتيه أغنى الغنى، وأعزَّ مسلوبِ
شِسْعٌ لنعلِكَ كلُّ قافيةٍ دوّت بتشريق وتغريبِ
وشدا بها السُّمار ماثلةً ما يُفرغُ النَّدمان مِن كوبِ
وفيها سخرية من العالم الذي يمجّد القوّة، ولا يرعى الموهوبين، فالجواهري، كما يقول الباحث رواء الجصاني” كان يحسب الف حساب في كيفية تسديد إيجار شقة صغيرة في أثينا، وكان لا يملك الكثير لتسديد الإيجار وفجأة يقرأ أن كلاي ربح الملايين من الدولارات لأنه أدمى خصمه!”
أمّا تايسون، فقد عاش سنوات المجد، في شبابه، وحمل لقب ” الرجل الأكثر شراسة في التاريخ، الذي لا يهزم “كما وصفه زملاؤه الملاكمون، وحين عاد، عاد كهلا حتى أن منافسه أشفق عليه وصرّح أنه كان يستطيع أن يوجّه إليه لكمات موجعة لكنه خشي أن يوجّه إليه مثلها ويحتدم الصراع! وهذا يعني وجود اتفاق ضمني بأن يستمر النزال ثماني جولات وتحسم النقاط الفوز.
وإذا كان العالم قد تذكّر كلاي بعد أن اعتزل الملاكمة، وأصيب بمرض باركنسون ( الشلل الرعاش)، فأسند إليه إيقاد الشعلة الأولمبية في دورة أتلانتا 1996 وعاد ثانية ليحمل العلم الأولمبي في دورة لندن 2012 م ، فقد كاد أن ينسى تايسون، فعاد لحلبة النزال ليذكّر العالم بنفسه، ولو بهزيمة وخسارة ثقيلة في نزال استمرّ لدقائق ربح خلالها (20 ) مليون دولار، وبذلك بطل العجب.
عن جريدة(عُمان)
