تغريد سعادة
في خضم الحرب القاسية على غزة، كثر الجدل حول موقف السلطة الفلسطينية، بين من يتهمها بالعجز أو التواطؤ، ومن يرى في نهجها الدبلوماسي طريقا واقعيا للحفاظ على ما تبقى من الكيان الوطني. لكن لفهم الموقف بإنصاف، لا بد من النظر إلى الصورة الكاملة، لا إلى العناوين المتفرقة.
منذ بداية التصعيد، اختارت السلطة طريقا واضحا اتسم بالوطنية بحفاظها على خطاب يدعم فيه الحق الفلسطيني ويدين الاحتلال، دون ادانه ما قامت به حماس في السابع من اكتوبر. يظن البعض انه موقف السفير الفلسطيني في لندن حسام زملط هو استثناء. انه موقف السلطة والذي عبرت عنه كل التصريحات الصادرة عنها وعن فتح باعتبارها القائدة لها . تحركت في المنابر الدولية، في الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي، مطالبة بوقف العدوان وفتح ممرات إنسانية. في محاولة لحماية المدنيين بوسائل متاحة في واقع مختل ميدانيا وسياسيا. فمواجهة احتلال مدجج بالسلاح تدعمه الولايات المتحدة الامريكية، لا تكون بشعار، بل برؤية استراتيجية واضحة ومنطقية تتعامل باقتناص الفرص لمصلحة القضية الفلسطينية.
لقد واجهت السلطة ضغوطا هائلة منذ عهد ترامب الاولى، خاصة بعد رفضها لصفقة القرن وموقفها الثابت من إقامة دولة فلسطينية مستقلة. ونتيجة لذلك، جرى تهميشها مؤقتا امريكيا من بعض المشاهد السياسية، لكن الدول العربية والإسلامية أعادت تثبيت موقفها الداعم للسلطة، وقدمت خطة سلام مستندة إلى رؤيتها هي نفسها. هذا الإجماع أعاد بعض التوازن أمام الانحياز الأمريكي الواضح لإسرائيل. دعمته ايضا الموقف الاوروبي وكندا واعلان ذلك صراحة.
ورغم أن بعض الأصوات تتهم السلطة بالتقصير، فإن الوقائع تشير إلى أنها سعت عبر القنوات القانونية والدبلوماسية لتجريم الاستيطان والعدوان. وقد نجحت في تثبيت قرارات أممية تعتبر الاستيطان غير شرعي، وهو إنجاز لا يمكن التقليل من قيمته في ميزان السياسة الدولية.
في المقابل، قادت حماس غزة إلى ست حروب متتالية، دفع فيها المدنيون الثمن الأكبر. وبالرغم من خطابها المقاوم، فإن نتائج هذه المواجهات تركت آلاف القتلى والجرحى ودمارا هائلا دون تحقيق إنجاز سياسي واحد. بل جلب الويلات والنكبات للفلسطينيين. من هنا تبرز الفجوة بين منطق اختارته حركة حماس مقابل خيار منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية.
السلطة الفلسطينية، رغم ما يحيط بها من نقد، تمثل الإطار السياسي الوحيد المعترف به دوليا، وهي التي تستطيع استعادة دورها في غزة بدعم عربي ودولي. وهو ما يجري الان لإعادة الإعمار وإدارة الحياة المدنية في القطاع. هذا المسار يعني الحفاظ على إمكانية استمرار الكيان الوطني الفلسطيني الموحد. عمل لا يستهان به في ظل المؤامرة التي بدات قبل عقدين منذ انقلاب حماس وسيطرتها العسكرية على غزة.
ولكي يكتمل هذا الدور، يبقى الذهاب إلى الانتخابات الخيار الأبرز لإعادة بناء الثقة بين المواطنين والسلطة. عبر الانتخابات، يختار الشعب قيادته بشكل ديمقراطي، ويقطع الطريق أمام استمرار النقد الذي يفتقر إلى هدف حقيقي ويقوض دور المؤسسة.
هناك من كان يتمنى سقوط السلطة وأن يقود الاحتلال بدلها، وهؤلاء أنفسهم يدعمون حماس ويعتبرون من ينتقدها خائنا، دون إدراك أن خيارهم للاحتلال هو الخروج عن الوطنية!
علينا التخلي عن بعض الأفكار غير الدقيقة التي تبناها الناس نتيجة الإعلام المغرض، مثل القول إن السلطة خائنة وتعتقل المقاومين حتى لو كان ذلك من باب ضبط الأمن، بينما كانت حماس تقوم بممارسات مماثلة دون أن تذكر في الصحف ووسائل الإعلام حفاظا على الهدنة، وهو معيار غير عادل. يجب تبني معايير واضحة وبعيدة عن الازدواجية، بحيث يكون الهدف خلق فكر وطني صحيح، ووجود سلطة تعمل على خدمة الشعب الفلسطيني ومصالحه. كما يجب وضع معايير للنقد، بعيدا عن الإشاعات أو التحريض، لتكون أيضا في خدمة القضية الفلسطينية و الشعب الفلسطيني.
