تغريد سعادة
مع كل صاروخ ايراني او مسيرة ايرانية ارسلت الى اسرائيل كانت ترافقها مشاعر الفرح في الشارع العربي، وتتزاحم عبارات التهليل والانتصار على وسائل التواصل الاجتماعي، والشماتة بالعدو.
هذا الفرح الجماعي، الذي يبدو تلقائيا وعاطفيا، ماذا يحمل في طياته: وهل هو وعي سياسي؟ أم تنفيس عن غضب؟
في علم النفس الاجتماعي، يعرف مفهوم “الانتصار الرمزي” كحالة تنشأ لدى الجماعات المقموعة، حين تفقد أدوات التغيير الواقعي، فتلجأ إلى الاحتفال بكل ضربة تلحق ضررا بصورة العدو أو هيبته. حتى وإن كانت هذه الضربة غير حاسمة، أو مؤقتة، فإنها تشبع حاجة نفسية للكرامة، تعوض العجز المزمن عن فرض العدالة.
الفرح هنا لا يكون بالنتائج، بل بالصورة: صور الصواريخ، الهلع، تعطل المطارات، صفارات الإنذار. كلها تتحول إلى رموز انتصار تعيد بعض التوازن النفسي لشعوب تعيش منذ عقود في ظل الهزيمة، الاحتلال، والتهميش السياسي.
يشير علماء النفس، إلى ما يعرف بـ “التنفيس العاطفي الجماعي”، وهي حالة من الانفجار العاطفي تظهر لدى المجتمعات التي تراكمت فيها مشاعر الظلم والقهر دون تفريغ. فيحدث ما يشبه الانفجار العاطفي عند أول مشهد يبدو وكأنه يرد الاعتبار.
هذه الحالة محاولة لاشعورية لكسر الإحساس المستمر بالعجز. وفي الوقت نفسه، لا تنتج وعيا سياسيا، بل تخدر الألم بشكل مؤقت، وتدفع الناس لتكرار دورة الأمل الكاذب.
الاحتفال بالصواريخ لا يقتصر على عامة الناس، بل توظفه بعض النخب الفكرية والسياسية ضمن خطاباتها الأيديولوجية. فتقدم كل من يعادي إسرائيل على أنه بطل قومي، وتغلق باب النقد أمام أي حليف “مقاوم”، حتى لو مارس الاستبداد في الداخل أو توظف القضية لمصالحه الخاصة.
بهذا، تتحول لحظات الانفعال إلى أدوات تبرير واستثمار سياسي، لا في مشروع تحرر طويل المدى.
في علم الاجتماع، يعتبر أن الجماعات التي تسلب حقوقها لفترة طويلة تعيد إنتاج “لحظات نصر خيالية”، لأن البديل الواقعي غير ممكن. وهذا ما يجعل الفرح بالصواريخ تعبيرا عن قهر أكثر مما هو عن انتصار.
الفرح بسقوط صواريخ على عدو ظالم قد يكون مفهوما في لحظة يأس جماعي. إن الشعوب التي تنتظر صواريخ الخلاص، قد تبقى طويلا في الانتظار، ما لم تسع لصناعة التغيير من الداخل، وصياغة مشروعها التحرري. لانه لا يمكن بناء مشروع وطني أو تحرري على لحظات عابرة من الشماتة أو النشوة الرمزية.
