تغريد سعادة
كشفت الاعدامات الميدانية التي نفذتها حركة حماس في قطاع غزة بعد وقف اطلاق النار عن عمق أزمة فكرية وأخلاقية تعصف بالمشهد الفلسطيني. فالمشهد الذي رأيناه من اعدام عشرات المدنيين خارج القانون بحجة “العمالة” لا يختلف كثيرا في جوهره عن فكر “داعش” الذي اقام سلطته على الدم والاتهام المطلق.
ما حدث ليس مجرد تجاوز أو خطأ في لحظة انفعال، بل هو تعبير صريح عن تحول خطير في الوعي السياسي الفلسطيني، حيث اصبح العنف ضد الفلسطينيين انفسهم جزءا من منطق “المقاومة”.
ان تبرير القتل الميداني، والسكوت عنه، بل وتبريره من بعض الأكاديميين والإعلاميين، يكشف ان ثمة فكرا داعشيا فلسطينيا يتسلل إلى العقل الجمعي، متخفيا خلف شعارات النضال والممانعة.
على مدار ثمانية عشر عاما من حكم حماس في غزة، تكررت اتهامات “العمالة” ضد الخصوم والمخالفين، دون محاكمات حقيقية أو شفافية. ومع كل حرب، يتجدد المشهد ذاته، صراع دموي داخلي باسم “الوطنية”، وتخوين جماعي لكل من لا يصفق للحركة.
لكن السؤال الأخطر، متى صارت “المقاومة” غطاءً للبطش والتسلط؟
إن أخطر ما نواجهه اليوم ليس الاحتلال وحده، بل تشوه الوعي الفلسطيني الذي أصبح يقبل بالقمع باسم القضية. حين يبرر بعض المثقفين إعدام مواطنين بلا محاكمة، فإنهم يمنحون الغطاء الثقافي لما هو في جوهره جريمة ضد الإنسانية.
هذا الصمت النخبوي يذكرنا بتجارب التنظيمات المتطرفة في المنطقة، التي بدأت بشعار “نصرة الدين”، ثم انتهت بذبح المخالفين باسم الدين ذاته. الفرق الوحيد أن الشعارات في غزة ترفع باسم “المقاومة”، لا “الخلافة”.
إن ما يجري اليوم في غزة من تصفيات علنية ليس مجرد أزمة سلطة، بل أزمة فكر تنخر في مفهوم المقاومة ذاته. فحين تتحول المقاومة إلى سلطة فوق القانون، تقتل باسم “الشعب”، وتختبئ في الأنفاق بينما يموت الناس فوق الأرض، فإنها تفقد معناها الأخلاقي والوطني معا.
الفكر الداعشي يولد من السكوت على الظلم باسم القضايا الكبرى. وحين يسكت الإعلام والنخب عن الجرائم بحجة “الظروف الصعبة”، يصبح الصمت تواطؤا، ويغدو الدم الفلسطيني أرخص مما يجب.
