تغريد سعادة
بينما نراقب ما يجري في مجتمعنا الفلسطيني، وما آلت إليه الأمور، وما يصدر عن قوى المعارضة الفلسطينية، ومن اكاديميين واعلاميين، لا بد أن يكون دافعنا في المتابعة هو حب فلسطين، لا حب الانتصار لوجهة نظر بعينها.
المواطن الصالح هو من يعرف حقوقه وواجباته ايضا. من حقه أن يطالب بما يريد، لكن عليه أولا أن يكون قد أدى واجباته تجاه مجتمعه، وساهم في بنائه وتطويره. إن الانتقاد الدائم للسلطة الفلسطينية، دون التوقف عند دور المواطن ومسؤوليته، ظاهرة رافقت نشأة السلطة منذ بداياتها. وقد أدى تشابك العوامل إلى تحميل السلطة كامل المسؤولية، وكأن المجتمع نفسه خارج المعادلة.
كيف يمكن الحديث عن تقصير السلطة بينما لا يقدم كثيرون لمجتمعهم ما يجب؟ ما يحدث من اعتداءات المستوطنين، على سبيل المثال، هو أيضا مسؤولية المجتمع المحلي، الذي يفترض أن يشكل مجموعات حماية شعبية، ويتواجد في المناطق المهددة، بدل الاكتفاء بلغة الشكوى.
أما الفساد، فهو للأسف مستشر في المجتمع بأكمله، إلى درجة أنك تشعر به أحيانا في تفاصيل الحياة اليومية البسيطة. حتى في مكاتب الذي يصفهم البعض بالوطنيين. لذلك، لا بد من رقابة مجتمعية شاملة، يراقب فيها الجميع الجميع، بدل حصر الاتهام بالسلطة وحدها. هذا ليس دفاعا عنها، فقد كتبت سابقا عن كثير من إخفاقاتها، لكن الحقيقة أن مجتمعنا بحاجة ماسة إلى تنظيم حقيقي ورقابة شاملة، لأن الفساد موجود في كل مكان.
في ما يخص المبدئية، لا يستقيم أن ينتمي شخص إلى تنظيم، ويتقاضى راتبا منه، ثم يهاجمه علنا باسم “النقد” أو “الغيرة”. إما أن تلتزم أو تستقيل. هذه النفعية غير المبدئية، التي يبررها أصحابها باعتبارها “حقا”، لا يمكن قبولها أخلاقيا. الاحترام الإنساني يقتضي أن تحترم الجهة التي تمنحك أجرك، وإذا لم تعد مقتنعا بها، فالخيار الواضح هو المغادرة، لا الاستفادة والطعن في ان واحد، فذلك لا يدخل في إطار الشجاعة، بل في إطار الانتهازية.
أما في الجامعات، فالمشكلة أخطر. حين نخاطب بعض أساتذة الجامعة، نجد أن مواقفهم باتت متأثرة بشكل مباشر بوسائل التواصل الاجتماعي، دون تدقيق أو تحقق من المعلومات. تشكلت معارضتهم دون منهج فكري واضح، أو التزام بالدقة، وهي صفات يفترض أن تكون جوهرية لدى من يدرسون المعرفة. عندما يتحول “فيسبوك” إلى مصدر قناعة أكاديمية، يصبح أي حوار مستحيلا، ويتحول الأستاذ من ناقد واع إلى مروج للجهل، وهنا تكمن خطورة المرحلة التي نعيشها. اتحدث هنا عن البعض، وليس كل فكر معارض جاهل، فهذا ليس ما قصدته وحتما ليس دقيقا.
في الإعلام، الصورة ليست أفضل. هناك منصات تقبض لتتحدث ضد السلطة الفلسطينية، حيث نشأت نتيجة خلافات أيديولوجية، مثل تلك المرتبطة بحماس التي تهاجم نهج السلطة، رغم سعيها لتحقيق جزء مما حققته. وهناك أيضا الخلاف الفتحاوي الداخلي، الذي دفع بعض الأطراف إلى تأسيس ودعم منصات إعلامية تهاجم السلطة ليل نهار، ليس بدافع المصلحة الوطنية، بل بدافع الصراع الداخلي، وهو ما يشكل فضيحة إعلامية حقيقية ويفقد الخطاب مصداقيته.
النقد حق مشروع للجميع، لكن هذا الحق يتطلب الصدق، والدقة، والجهد في المتابعة والتحليل. الكتابة السياسية ليست نزهة، بل مسؤولية ثقيلة في ظل هذا الكم من التضليل والإشاعات. لا يطلب منا أن نكون مصيبين دائما، لكن يجب أن يكون الصواب هو الغالب على مواقفنا.
الأهم من ذلك كله أن ننظر إلى مصلحة فلسطين من وعي لا من أيديولوجيا، ومن فهم للواقع كما هو الآن، لا كما تتخيله ضمن كم الاشاعات التي تتملك بعضهم. التجارب القريبة في العراق وسوريا يجب أن تكون درسا قاسيا لنا.
لعلنا نتعظ…
ولعلنا نكون، حقا، الفلسطينيين الصالحين.
