تغريد سعادة
التصوف هو العالم الذي يستند الى الروحانيات في مناجاة الله، هو الزهد والاعتكاف، هو التفاني في الحياة لاجل الله سبحانة وتعالي، والتعبد من خلال الادعية والذكر، والتحلى بمكارم الاخلاق، هذا ما يؤمن به المتصوفون في فلسطين. وللتصوف في فلسطين مكانة خاصة، لانها الارض المقدسة حيث كانت محطة لكثير من الاسماء البارزة للمتصوفين الاسلاميين الاوائل والذين قدموا من الكوفة والبصرة ودمشق، كما جاءوا من كل بقاع العالم الاسلامي ليحطوا ترحالهم فيها وعلى مر التاريخ.
تنتشر زاويا المتصوفون بمختلف طرقها، والتي انتشرت في العالم الاسلامي، في كل المدن الفلسطينية. فتجد الزوايا المتعددة في مدينة القدس الشريف ويصل عددها وفقا للاحصائيات الرسمية لنحو 55 زاوية، وفي قطاع غزة والتي يصل عدد الزوايا فيها الى 36، كما تتواجد بكثرة في مدن الخليل وطولكرم وجنين ونابلس ورام الله وبيت لحم، وتنتشر في القرى ايضا.
تاريخ عظيم واثار ودلالات تتواجدها في كل البقاع الفلسطيني. يفاجئك حجم الاتباع، ويفاجئك تنوعها، ويفاجئك حضورهم. تذهل لكثرة احتفالاتهم وانضباطهم، ومشاركتهم فيها. يقولون ان التصوف ليس دينا او مذهبا، وانما منهج يسلكه العبد للتقرب الى الله.
الشيخ نبهان عبد الله البابلي – شيخ الزاوية الرفاعية في فلسطين، قال في حديث خاص لـ ” زيتون نيوز”، انهم يؤمنون بالشرع والسنة التى ينبع منها التصوف الحقيقي، وهو علم قصد لإصلاح القلوب، وإفرادها لله تعالى عما سواه.
وقال، “ان التصوف علم تعرف به أحوال تزكية النفوس، وتصفية الأخلاق وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية، وتدريب النفس على العبودية، وردها لأحكام الربوبية وردها للسنة النبيوية.”
واعتبر ان كل الزوايا في فلسطين تنبع من كأس واحد، وكلهم من رسول الله، الا ان الزاوية الرفاعية في فلسطين تتميز عن الأخريات بكثرة العبادات والاجتماعات للمحبين وحلقات الذكر ودروس في نهج النبوة والسيرة والفقه وكل ما يختص به الاسلام، وليس هناك أي طقوس مختلفة.
واكد الشيخ البابلي ان ثمة انتشار واسع للصوفية في فلسطين، وعلى الرغم من عدم وجود احصائيات دقيقة بهذا الخصوص الا انه قال “ان اعدادها في تزايد،” موضحا ان سبب انتشار الصوفية في فلسطين “لانها قائمة على تطبيق الشرع، وقائمة على المحبة، وان وجهة أهل التصوف الحقيقيون هو تطبيق الشرع ونشر الاسلام بالوجه الصحيح الذي يقوم به الشرع .”
لا شعوذة عند المتصوفين الفلسطينيين
رئيس مركز ادم لحوار الحضارات والوزير الفلسطيني الاسبق عماد الفالوجي اوضح ان الصوفية في فلسطين لها تاريخ قديم، وللصوفيين رموزهم وطقوسهم، واماكن تعبدهم، حيث لكل شيخ ” زاوية خاصة ” يلتقي فيها مع اتباعه ومريديه، موضحا، “ان الطرق الصوفية في فلسطين متعددة ومختلفة فيما بينها ويجمعها الالتزام بالاوراد المعروفة من التذكير والتسبيح، ولكل طريقة اسلوبها في ترديد الأذكار.”
واضاف في حديث خاص لـ “زيتون نيوز” ان الطرق الصوفية انتشرت بكثرة في العقود الماضية، أما الآن فهي تمر بحالة جزر وتراجع كبير، وتابع قائلا، في قطاع غزة على سبيل المثال، كانت الزوايا الصوفية منتشرة خلال العقد الماضي بكثرة ويتميز اتباعها بكبار السن والشيوخ، وكان بعضهم يقوم باحتفالات مركزية يتم فيها حركات من السحر والشعوذة والرقص الخاص بهم والتمايل الشديد خلال حلقات الذكر، وكان الناس يتجمهرون ليشاهدوا هذه الاحتفالات.
واوضح الفالوجي ان الصوفية كانت تنتشر بين عامة الناس بأن لديهم بعض الكرامات في شفاء المرضى او فك الحسد والاصلاح بين المتخاصمين والعلاج من الامراض بالأدعية والمسح وتلاوة القرآن وغير ذلك .
وتابع قائلا، بأن الطرق الصوفية التي تقوم بأعمال الشعوذة انتهت في فلسطين بسبب الوعي وانتشار الفكر الاسلامي الصحيح بين الناس، وبقيت الطرق الصوفية الصحيحة التي تركز على السمو النفسي بالتسبيح وحلقات الذكر المتواصلة.
وقال الفالوجي منذ قيام السلطة الفلسطينية اهتم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بالمتصوفين فكان تأسيس المجلس الاعلى للصوفية في فلسطين، ولكن هذا المجلس سرعان ما تلاشى بسبب تراجع الفكر الصوفي بسرعة في البلاد، وكذلك رفض الفرق الصوفية الكبيرة من الالتصاق بالسلطة او العمل السياسي، وبقي تركيزهم على التربية الصوفية النقية لاتباعهم.
التصوف عبادة وصيام وذكر
من جانبه قال استاذ اللغة العربية في جامعة القدس الدكتور حسين الدراويش وهو احد المتصوفين، انهم وعلى عكس الصورة النمطية، هم في غالبيتهم مثقفين ومتعلمين ومن اساتذة الجامعة، وممن لهم نصيب كبير في العلم.
واضاف الشيخ الدراويش في حديث خاص لـ ” زيتون نيوز” ان الصوفية بعيدة جدا عن اي شعوذة او طقوس بعيدة عن الاسلام، مؤكدا ان الزاوية القادرية التي ينتمي اليها، “لا شعوذة فيها ولا تكسب ولا نفاق فيها، وفيها صدق وعلم ومساعدة كل محتاج.”
واكد ان الزاوية القادرية وموقعها في القدس قد استطاعت استقطاب 50 يهوديا، واسلموا على يدها واتبعوا طريقتها وكان من بينهم طيار اسرائيلي.
وقال الدراويش ان التصوف عندهم هو الصفاء مع الله وعبادته بدون وساطة وحبا لذاته، وصيام الاثنين والخميس والايام البيض والسادس من شوال، واجتماع للذكر ليلتي الخميس والاحد، واطفاء الاضواء وقت الذكر، مؤكدا ان لا مكانة لاية طقوس خارجة عن الاسلام وعن الذكر والموعظة.
مجالس خاصة للنساء
وفي زوايا المتصوفين في فلسطين، منها ما هو قديم ومنها ما هو حديث، الا انها جميعا وجدت للذكر والعبادة. قد يحتفلون على طريقتهم ولكن احتفالاتهم كلها دينية، في رمضان وفي المولد النبوي وعيد الفطر وعيد الاضحى. لهم طقوس لا تشعر بغرابتها خاصة انها تركز على مكارم الاخلاق والتعبد والذكر. وعندهم النساء المتصوفة، ولهن قيادات يرشحها لهن قيادات المتصوفين، لا غريب في حياتهن ولا خروج عن المألوف، وفيها ايضا يمنعن من الاختلاط مع الرجال، ولكن يؤدين نفس الذكر ونفس التسبيح والتركيز على مناجاة الله. وفيهن ايضا المتعلمات والمثقفات والعاملات في المجتمع.
هو ليس عالما سريا بل عالما قائما على الدين والشرع والعبادة والتذكير والتسبيح، فتخرج من المكان لترى ان ما كتب عن التصوف الاسلامي من زهد واعتكاف وذكر لله هو واقع الحال في فلسطين.
