سجل في القائمة البريدية

Edit Template

النخب المثقفة والجهل السياسي: مأزق الفلسطيني بين حماس والسلطة

تغريد سعادة

المثقف في معناه الحقيقي ليس من يكدس المعرفة أو يحمل شهادة عليا فحسب، بل هو من يملك الجرأة الأخلاقية على ممارسة النقد الموضوعي، والقدرة على ربط الحقائق بالسياق الاجتماعي والسياسي، وتقديم رؤية تنحاز للشعب لا للسلطة أو الفصيل. غير أن الساحة الفلسطينية عرفت في السنوات الأخيرة ظاهرة مؤلمة تتمثل في انجرار بعض النخب وراء خطاب إعلامي موجه، مدعوم بميزانيات ضخمة، ما أدى إلى تضليل الرأي العام وتغييب النقاش العقلاني. واخص هنا خطاب قناة “الجزيرة” الاخواني.

منذ مطلع الألفية برزت قنوات مثل الجزيرة وشبكات الإعلام القطري كمنابر رئيسية لترويج خطاب الإخوان المسلمين. ومع صعود حماس بعد انتخابات 2006 وسيطرتها على غزة في يونيو 2007، تحول الإعلام إلى أداة تبرير وتسويق لسلطة الأمر الواقع. لقد ضخت قطر مئات الملايين من الدولارات لدعم حماس، بعضها بترتيبات وموافقات إسرائيلية بدعوى “منع الانفجار” أو “شراء الهدوء”. تقارير مختلفة تشير إلى أن التحويلات القطرية تجاوزت المليار دولار خلال العقد الماضي.

في المقابل، حوصرت السلطة الفلسطينية سياسيا وماليا، خاصة في عهد إدارة ترامب الاولى التي قلصت مئات الملايين من المساعدات وأوقفت تمويل وكالة الأونروا، في محاولة لإخضاعها لـ”صفقة القرن”. ورغم ذلك استمرت السلطة في دفع رواتب الموظفين في غزة وتحملت جزءا من النفقات الأساسية، فيما ظلت حماس تستفيد من التمويل الخارجي لتثبيت سلطتها.

الخلل الجوهري يكمن في أن جزءا من المثقفين الفلسطينيين لم ينجح في التمييز بين دعم الشعب في غزة ودعم سلطة حماس. كثيرون انساقوا وراء الدعاية، معتبرين أي نقد لحماس “خيانة”، بينما النقد الموضوعي يفترض كشف أن الانقسام الفلسطيني كان هدفا إسرائيليا بامتياز، وأن تكريس حكم حماس في غزة وفصلها عن الضفة خدم إستراتيجية تل أبيب طويلة الأمد.

إن الجهل السياسي هنا يتجلى في تحويل بوصلة المثقف من مساءلة القوى الحاكمة إلى ترديد خطابها، وهو ما ساهم في إضعاف الموقف الوطني الجامع، بل وأفقد الشعب الفلسطيني أداة فاعلة في مواجهة مشاريع التهجير التي ينفذها نتنياهو بشراسة.

قد تكون السلطة الفلسطينية ضعيفة ومثقلة بالقيود، لكنها تبقى الإطار المؤسسي الذي يحافظ على التعليم والصحة والخدمات الأساسية. ولا يمكن انكار الخطوات الدبلوماسية التي قامت بها اهمها انضمام دولة فلسطين للامم المتحدة، وهو الذي يحفظ الحق التاريخي للفلسطينيين مهما تجبر الاحتلال، وان المساس بها يعني عمليا انهيار ما تبقى من البنية الوطنية.

الرهان على أن الاحتلال سيتحمل مسؤوليته كما يزعم البعض وهم خطير؛ إسرائيل لن تعود لإدارة شؤون مليوني فلسطيني في غزة ولا ثلاثة ملايين في الضفة، بل تعمل على تفكيك المؤسسات ودفع الناس نحو التهجير.

أمام هذا الواقع، المطلوب ليس الانجرار وراء إعلام ممول ولا الاكتفاء بتبادل الاتهامات، بل عقد مؤتمر وطني شعبي يضم مثقفين وطنيين. مهمته الأولى الحفاظ على ما تبقى من مقومات الحياة الفلسطينية، وتحصين المجتمع من الانهيار، وبلورة خطاب جامع ينطلق من أن العدو هو الاحتلال، وأن وحدة الشعب ومؤسساته هي خط الدفاع الأخير.

إن مسؤولية المثقف اليوم مضاعفة، أن يقاوم الجهل السياسي، أن يواجه الحملات الإعلامية الموجهة، وأن ينحاز بوضوح للشعب لا للفصيل. المثقف الصادق هو من يملك شجاعة القول، نقف مع أهلنا في غزة، لكننا لا نبرر لحماس الانقسام ولا نسمح لإسرائيل باستثماره. نعم، ندافع عن السلطة رغم عثراتها، لأنها الإطار الطبيعي الباقي الذي يحفظ الشعب من التلاشي. وفي النهاية، وحده الوعي الوطني الجمعي، لا المال السياسي ولا الإعلام الموجه، هو ما سيحمي الفلسطينيين من مشاريع التصفية والتهجير.

Post Views33 Total Count

تصفح المواضيع

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Ethical Dimensions in the Digital Age

The Internet is becoming the town square for the global village of tomorrow.

الأكثر قراءة

هاشتاغ

عن زيتون نيوز

زيتون نيوز موقع اعلامي صادر عن مركز رام للدراسات العربية. مختص بالشؤون العربية في كندا، بالاضافة الى الاهتمام بأهم القضايا في الوطن العربي. وهو موقع مهني تشرف عليه الصحفية تغريد سعادة التي تعمل في الصحافة لما يزيد عن عقدين من الزمان.
يقع المكتب الرئيسي في مدينة ادمنتون / ألبرتا. ويعمل على تقديم تغطية شاملة، لكافة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعرب في كندا. 

آخر الأخبار

  • All Posts
  • About Us
  • English News
  • أخبار
  • تحقيقات
  • ثقافة
  • شؤون الجالية
  • شؤون عربية
  • لقاءات
  • مقالات
  • منوعات
    •   Back
    • About us

أقسام

 Zaytoun News © 2024

error: Content is protected !!