تغريد سعادة
بين الحين والآخر يطل البعض لينتقد كل من يوجه نقدا لحماس، ويصر هؤلاء على أن النقد مؤجل إلى ما بعد انتهاء المعركة. المفارقة أن هؤلاء أنفسهم يطلقون على أنفسهم صفة “الوطنيين”. لكن ما هي المعادلة التي يريدون تأجيلها؟ هل قتل أكثر من مليوني فلسطيني في غزة والمعاناة اليومية التي يعيشها الناس ومرتبطة بالاساس بأسرى اسرائيليين اعتقلتهم حماس و بأحداث السابع من أكتوبر التي نفذتها الحركة.
المعاناة التي أتابع تفاصيلها يوميا من غزة تجعلني أقف خلف أصوات الناس المكسورة واليائسة، المحملة منذ عامين بمرارة الحرب. في المقابل، يصر قادة حماس ومناصروها على أن ما يجري هو “حرب تحرير” تحتاج إلى تضحيات.
لكن ما يحدث على الأرض هو حسم عسكري واضح لصالح الاحتلال، وسيطرة كاملة على غزة، ومنع للمساعدات، وتشريد الملايين. في ظل هذه الظروف، يظن البعض أن عملية محدودة هنا أو هناك هي مقاومة، بينما هي في الحقيقة مجرد تبرير إضافي لقتل الناس.
في تاريخ القضية الفلسطينية، كان الانتقاد موجهًا دائما إلى فتح ولم يحدث أن اتهم المنتقدون بالعمالة كما يحصل اليوم عبر إرهاب فكري وإجباري، وكأن قيادة حماس في المفاوضات منزهة عن أي خطأ.
إن انتقاد حماس ليس خيانة ولا تجاوزا، بل هو حق وواجب وطني، لأن حياة مليون فلسطيني وأكثر تأتي قبل أي تنظيم، سواء كان حماس أو غيرها. المشكلة أن ماكينة الإخوان المسلمين، التي تتمتع بإعلام أقوى حتى من الأنظمة الرسمية، تعمل ليل نهار لتلميع صورة الحركة، وهذا ما خلق حالة من “السحر الإعلامي” رغم التخبط المستمر الذي تمارسه الجماعات الإسلامية وسلوكها المتهور الذي لم يحقق أي نتيجة.
النتيجة على الأرض واضحة في غزة، المزيد من الدماء، وقتل الشعب وتشريده، فيما يدفع الفلسطينيون الثمن الأكبر. وهذا أمر لا يمكن قبوله في أعراف النضال ولا في أي قراءة وطنية صادقة.
أننا مع الشعب الفلسطيني في غزة، ومع معاناته وحقه في الحياة الكريمة، فوق أي تنظيم مهما كان اسمه. استغلال شعار “المقاومة” لم يحم الشعب في غزة، ولم يؤخر قرارات الاحتلال في التهجير أو يغير شيئا من معادلة السيطرة والقمع. ومع ذلك، يطلب البعض أن ندعم حماس بلا قيد أو شرط!
الاحتلال يفرض وقائعه على الأرض، فيما يستخف بمعاناة الملايين وخطط التهجير الجارية. هذا الاستخفاف هو الصدمة الحقيقية التي يتاجر بها البعض بشعارات وطنية ساذجة تقود القضية إلى المجهول.
أما الحديث عن سلاح حماس باعتباره “السلاح الذي يحمي الشعب”، فهو مسرحية مكشوفة تتواطأ فيها الحركة مع المحتل لاستكمال ضرب ما تبقى من شعبنا.
إن الاستهانة بدماء ومستقبل شعب يدخل عامه الثالث تحت الحرب والموت والتشريد لا يمكن أن تغطى بالشعارات. من يكتفي بمتابعة العناوين قد يخدع بخطاب حماس، أما من يتابع يوميا تفاصيل ما يجري في غزة منذ اليوم الأول، فيدرك حجم المعاناة التي يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني وحده بسبب تهور وعناد الحركة.
