سجل في القائمة البريدية

Edit Template

بين غزة والانقسام: معركة الوعي التي نخسرها

تغريد سعادة

حينما يستمر الجدل برغم كل ما يحدث في غزة، وبرغم أن عمليات التهجير نجحت بشكل مباشر أو ضمني نتيجة أحداث السابع من أكتوبر، وكل هذا الخراب الذي حول القطاع إلى منطقة محتلة بالكامل تقريبا، فيما بقي جزء منه تحت حكم حماس، تلك الحركة التي أوصلت الأوضاع إلى ما هي عليه؛ يصبح من الضروري إعادة التفكير في الصورة الكاملة.

ما زال البعض يصر على اعتبار كل من ينتقد حماس خائنا، من دون أن يدرك أن الحرص على السلطة الفلسطينية هذا المكون الوطني هو أساس الفكرة، وليس دفاعا عن أشخاص متهمين بالفساد.

فالفساد موجود في فتح وفي حماس وفي الجبهة الشعبية وحتى في المبادرة. لدينا الكثير مما يمكن الحديث عنه في هذا الشأن. لكن التركيز حصرا على فتح، والهجوم الجماعي عليها وكأنها الحركة الشاذة الوحيدة، هو بالضبط ما يجعل الدفاع عنها دفاعا عن المشروع الوطني وليس عن الفساد.

المحزن أن كثيرين لا ينتبهون إلى أن الانقسام لم يبدأ اليوم، بل منذ عام 2007، حين أحدثت حماس شرخا عموديا في المجتمع الفلسطيني، فصنفت الناس بين “مقاومين” و”عملاء”. هذا النهج، حين يستمر بلا مراجعة، يعكس ضيق في الرؤية لدى كل من يتحامل على السلطة، متجاهلا قيمة منجزها الوطني رغم كل ما يقال في الإعلام، وبعضه غير دقيق أو موجه.

والأسوأ من ذلك أن كل محاولة لتصويب النقاش أو تصحيح المعلومات تقابل بوابل من الاتهامات والشتائم والتخوين. لقد وصل مستوى الإسفاف إلى حد غير مسبوق نتيجة طغيان الفكر الإخواني وقوتها الإعلامية، التي وإن كان خطابها ركيكا، فإن احتلالها للساحة وحدها جعل الكثيرين يصدقون رواياتها، مع أن الكثير من ادعاءاتها بحق فتح أو السلطة أو خصومها لا أساس له من الصحة.

هذا التصلب الفكري الذي أراه حتى لدى من يحملون الشهادات الجامعية يعكس جهلا إعلاميا واسعا، وانعدام القدرة على التمييز بين الحقيقة والبالون التضليلي، بعد إخضاع العقل لكل هذا الكم من الاخبار التي تنتجها ماكينة التحريض.

من حق أي إنسان أن يمتلك رأيا، لكن تبني رأي جاهز يوزع الاتهامات بالعمالة بلا هوادة أمر صادم وخطير. تبرير كل شيء باللجوء إلى خطاب الإخوان المسلمين ممثلا بحماس، وتقديم المبررات لها من دون النظر إلى حجم الضرر الذي ألحقته بالمشروع الوطني الفلسطيني، هو في حد ذاته تعمية على الحقيقة.

فالبداية من الانقلاب العسكري في غزة وهو جرح دفع الشعب الفلسطيني ثمنه، بينما كانت حماس تتقوى بالسلطة وتنفرد بالحكم وتتلقى التسهيلات التي ساعدتها على تنفيذ مشروعها. وحتى الاحتلال نفسه لم يخف أنه دعم حماس في مراحل سابقة لتكون بديلا للمشروع الوطني الفلسطيني. فكيف يتوهم البعض أنها كانت مدعومة باعتبارها “مقاومة”؟! هذا الخلط وحده كاف ليؤكد أننا أمام أزمة وعي حقيقية.

إن ما نعيشه اليوم من ارتباك يحتاج إلى حوار جاد بين النخب الفلسطينية لإعادة صياغة الكثير من المفاهيم، ولحماية المشروع الوطني، ولحماية مجتمع يتمزق نتيجة الجهل السياسي، وغياب المتابعة، واحتلال الساحة من قبل خطابات غوغائية تواجه الحقيقة بالرواية الإخوانية فقط.

إن مسؤولية حماية الرواية الفلسطينية الوطنية، وتحصين المجتمع من الانقسام، والعودة إلى مشروع التحرر الحقيقي، تبدأ من مواجهة هذه الرواية المضللة بشجاعة، ومن إعادة الاعتبار للعقل، وللمصلحة الوطنية العليا التي تتجاوز الأشخاص والفصائل، نحو وطن يستحق رؤية أوضح ووعي أعمق.

Post Views45 Total Count

تصفح المواضيع

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Ethical Dimensions in the Digital Age

The Internet is becoming the town square for the global village of tomorrow.

الأكثر قراءة

هاشتاغ

عن زيتون نيوز

زيتون نيوز موقع اعلامي صادر عن مركز رام للدراسات العربية. مختص بالشؤون العربية في كندا، بالاضافة الى الاهتمام بأهم القضايا في الوطن العربي. وهو موقع مهني تشرف عليه الصحفية تغريد سعادة التي تعمل في الصحافة لما يزيد عن عقدين من الزمان.
يقع المكتب الرئيسي في مدينة ادمنتون / ألبرتا. ويعمل على تقديم تغطية شاملة، لكافة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعرب في كندا. 

آخر الأخبار

  • All Posts
  • About Us
  • English News
  • أخبار
  • تحقيقات
  • ثقافة
  • شؤون الجالية
  • شؤون عربية
  • لقاءات
  • مقالات
  • منوعات
    •   Back
    • About us
    •   Back
    • Art and Cinema
    • Interviews

أقسام

 Zaytoun News © 2024

error: Content is protected !!