تغريد سعادة
حركة حماس تركت الشعب الفلسطيني في غزة لمصيره، معرضا لحرب مدمرة وقاسية استمرت عامين كاملين، دون أي مساعدات في الغذاء أو المأوى أو الخيام، لتعود بعد توقف الحرب لتحكمه بالحديد والنار. كان بإمكانها تنظيم الأمور خلال الحرب وتخفيف المعاناة، لكنها فضلت حماية نفسها أولا، والتركيز على التمركز في السلطة في اليوم التالي للحرب، مما جعلها جزءا من عبء تكبده الشعب الفلسطيني في غزة. وتدعي حماس أن العرب والمسلمين قد خذلوها، لكنها لا توضح أين كان هذا “الخذلان”، فهي نفسها التي جرت غزة إلى ست حروب، وفي كل مرة تختطف جنديا إسرائيليا أو تطلق هاونا، فتتسبب بمقتل آلاف من الفلسطينيين دون تحقيق أي إنجاز سياسي يذكر.
تسللت سيطرتها إلى نسيج المجتمع الغزاوي، الذي تكبد المعاناة بسبب أعمالها وبسبب الاحتلال، لفرض هيمنتها. عائلات لها حضورها وتأثيرها مثل أبو وردة، المجايدة، دغمش، وأبو سمرة تسعى لإقصائها بعد وقف الحرب. تنفذ سلسلة من عمليات القتل تحت التهديد والوعيد لتطويع الشارع كما فعلت أثناء الانقسام. وتصدر للعالم رواية تبخس ضحاياها بتصنيفهم “عملاء”، فأي دين يتشددون به؟!
طبيعي أن يكون في أي مجتمع أفراد عملاء، حتى عند حماس وخلال مسيرتها تبين انها مصيدة عند الاحتلال، لكن في مجتمعنا ليس بالقدر الذي تسوق له حماس. الأن القسام يتعامل مع هذه المسائل كما لو أنها محطات تشاد بأطر شبيهة بتلك التي تتبناها التنظيمات المتطرفة، وكلها خرجت من رحم الاخوان المسلمين مثل داعش وجبهة النصرة. و كيف لا، وحماس حاربت مع الشرع في سوريا والذي كان زعيم جبهة النصرة حينها.
عامان كاملان وغزة ترزح تحت وطأة الحرب بسبب رهائنها، والآن تواصل ترسيخ سيطرتها. يتحركون تحت أعين الاحتلال، ويحكمون المجتمع بالحديد والنار، والخرائط تشير إلى خسارة مساحات كبيرة من أرض غزة لصالح الاحتلال، لخروج بهذا العدد والطريقة كان له دلالات لا يمكن تجاهلها.
نعول على الحق، وعلى أن نضال فلسطين سيستمر، لكن لا ننسى أن حماس أعاقت مشروع التحرر لعقدين، ولم تقدم للشعب إلا الدمار وحروبا على الحكم ومآسي قتلت عائلات بأكملها وخسرت 58٪ من قطاع غزة ليعاد احتلاله من قبل الاحتلال. الأمور الآن تتجه نحو حرب أهلية قد لا تحسم هذه المرة لصالحها، لأن اتهام العائلات بالعمالة دفعهم إلى الاجتماع والتكاتف لمواجهة ما سموه “عربدة أمنية” لا تمت للمقاومة بصِلة، وتستغل خطاب المقاومة لتصفية حسابات داخلية وتبرير جرائمها وتشويه سمعتهم.
ومع استمرار هذا النهج المتشدد، تمضي حماس في سياسة ستؤدي في نهاية المطاف إلى تهجير الفلسطينيين من غزة، عبر الخوف والاضطهاد، أو نتيجة الدمار ومنع اعادة الاعمار. بهذا المسار، قد تنجح حماس فيما عجز عنه نتنياهو نفسه، تحت شعار “المقاومة” التي تحولت إلى وسيلة حكم قمعي على ارض مدمرة و بـ 42 ٪ مما تبقي من مساحة غزة.
