فايق جرادة*
في ظل عدوان همجي لا يزال ينهش غزة وفي لحظة ثقافية فارقة حضرت فلسطين بقوة وفاعلية في الدورة الخامسة من مهرجان القاهرة للسينما الفرنكوفونية، برئاسة الناقد السينمائي الدكتور ياسر محب، وذلك من خلال برنامج خاص ضم ستة أفلام قصيرة روائية وتسجيلية، تحت عنوان “قصص سينمائية من أرض الملاحم”.
هذه المشاركة لم تأتِ من فراغ بل جاءت تتويجًا لمسار من التنسيق والتواصل المستمر مع إدارة المهرجان، حيث كنتُ – كأحد المهتمين والمشتغلين بالسينما الفلسطينية – على تواصل مباشر مع الدكتور ياسر محب منذ وقت مبكر من أجل ضمان وجود فلسطين ضمن خارطة المهرجان هذا العام.
وقد لقي هذا التواصل كل ترحيب ودعم من إدارة المهرجان وخاصه من قبل الدكتور ياسر والذي يؤكد دايما وباستمرار التزامه الحديدي بدعم السينما الفلسطينية إنتاجًا ومشاهدة.
برنامج خاص… ورسالة فنيه من قلب الاحداث
يحمل البرنامج الفلسطيني هذا العام دلالة كبيرة إذ يُمثّل خطوة فنية تضامنية مع السينما الفلسطينية، خاصة في ظل ما تتعرض له غزة من تدمير منهجي للبنية الثقافية ومحاولة إسكات الصوت الفلسطيني، ليس فقط في السياسة بل أيضًا في الفن.
الأفلام التي عُرضت تحكي قصصًا إنسانية من عمق المعاناة اليومية وتُبرز تفاصيل الحياة تحت الاحتلال، لتؤكد أن الكاميرا الفلسطينية ما تزال تقاوم، وتُوثّق، وتُعبّر.
حضور سابق ومستمر
لم تكن هذه المشاركة هي الأولى من نوعها، بل إن مهرجان القاهرة للسينما الفرنكوفونية كان وما زال من المهرجانات العربية التي أولت اهتمامًا كبيرا للسينما الفلسطينية، وهو ما شهدته بشكل شخصي عن قرب العام الماضي حين شاركت في لجان التحكيم إلى جانب الدكتور وليد سيف، وعدد من المخرجين والفنانين العرب في دورة كانت مفعمة بالحوار والانفتاح على التجارب السينمائية المختلفة.
تحية وتقدير
بهذه المناسبة، أتوجه بالشكر والتقدير لإدارة المهرجان وعلى رأسها الدكتور ياسر محب، على هذا الدعم المخلص والمستمر، الذي لا يُعامل فلسطين كمجرد “قضية سياسية”، بل كشريك فني وثقافي له حضوره ومكانته، وكمصدر غني للقصص الإنسانية التي تستحق أن تُروى وتُعرض وتُناقش.
شباب فلسطين في لجان التحكيم
من اللافت هذا العام أيضًا أن إدارة المهرجان اختارت مجموعة من الشباب الفلسطيني للمشاركة في لجان التحكيم الخاصة بالأفلام القصيرة والطويلة، وقد كُلّفت باختيارهم بناء على معايير تتعلق بالموهبة والانفتاح على السينما العالمية ما أعطى لهذه الدورة طابعًا فلسطينيًا مضاعفًا ليس فقط على الشاشة بل في فضاء الحوار النقدي السينمائي أيضًا.
مهرجان متنوع وطموح
تضم الدورة الخامسة أكثر من 72 فيلمًا من 37 دولة، من بينها أعمال تُعرض للمرة الأولى، وأخرى تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وأفلام تستهدف الجيل الشاب.
هذا ومن المقرر أن يتم عرض الأفلام الفائزة خلال العام الجاري في عدد من المحافظات المصرية، ضمن مشروع “كارافان الفرنكوفونية”، وهو ما يوسّع من دائرة التفاعل الجماهيري مع الإنتاج السينمائي النوعي، ويُقرب الثقافة السينمائية من جمهور جديد.
فلسطين تحكي… وتصمد
مرة أخرى، تُثبت السينما الفلسطينية أنها ما زالت قادرة على الحضور والتأثير، رغم كل ما تتعرض له من تهميش وتهجير وقصف.
حضورها في القاهرة اليوم ليس فقط فنيًا بل هو سياسي وإنساني يحمل رسالة من غزة المحاصرة إلى العالم: نحن هنا… نحكي ونوثّق ونُبدع رغم الألم.
*مخرج فلسطيني يعيش في القاهرة
27 Total Count
