تغريد سعادة
نجحت حركة حماس في كسب قاعدة شعبية واسعة لأنها ارتكزت، على مدى سنوات، على خطاب المقاومة والنضال المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي، معتبرة نفسها حاملة المشروع التحرري للفلسطينيين. وأهم من ذلك، أنها جاءت نقيضا للسلطة الفلسطينية، التي صورها اعلام حماس وخطاب قياداتها كسلطة “عميلة” أو متواطئة، خصوصا لأنها اعتمدت على مسار التسوية والسلام مع الاحتلال كمشروع أساسي، وهو ما اعتبرته مسار تفريط.
منذ وصولها إلى حكم غزة بعد انقلابها على السلطة الفلسطينية في عام 2007، حكمت حماس قطاع غزة بالحديد والنار، متجاوزة كثيرا من الخطوط الإنسانية، وفرضت منظومة قضائية واجتماعية فاسدة بلا حسيب أو رقيب حقيقي. الاعتقالات السياسية طالت أفراد حركة فتح وكل من ينتقد سياساتها، بما في ذلك الجماعات الإسلامية، ووصلت حد نسف مسجد وقتل من فيه لمنع اي منافسة لها في القطاع. بالمقابل، أي اعتقال لعناصر حماس في الضفة الغربية كان يثار حوله ضجيج إعلامي وسياسي، وكأن ما يجري في غزة عقاب مستحق، وما يجري في الضفة نضال!
امتدت السيطرة الحماسية إلى كل مفاصل المجتمع، مع منع أي تجربة أو نقد مستقل، تحت طائلة تهمة “الخيانة أو العمالة”. الاشتباكات الدموية مع حركات المقاومة الأخرى في القطاع والتي كانت تظهر بين الحين والاخر كانت تبرر بالحفاظ على “الهدنة”، مما كرس مناخ الخوف وحد من النقاش الحر أو الرقابة الفعلية.
رغم خطاب المقاومة، استفادت حماس من الأموال المحلية والدولية، بما فيها الزكاة والتبرعات، لتعيش مرفهة باعتراف قيادييها في غير مرة حول اموال الزكاة، بينما غالبية المجتمع الفلسطيني في غزة يرزح تحت الفقر والحصار بسبب حكم حماس. مفارقات غريبة، لكنها تشير إلى استغلال الموارد تحت شعارات دعم فلسطين دون رقابة حقيقية. التحقيقات الواردة من الأردن قبل عدة اسابيع حول الجانب المالي المرتبط بحماس يشير الى تبرعات بالملايين جمعتها الحركة من الزكاة، وتقوم بتهريبها واستغلالها في مشاريع خارجية، تعطي مؤشرا على مدى الاستغلال والإفلات من الرقابة، في وقت يساء الحديث فيه عن فساد السلطة الفلسطينية رغم المراقبة الدولية والمحاصرة المالية الطويلة لها.
الضرر الذي أحدثته تجربة الإخوان المسلمين في المجتمع الفلسطيني يحتاج جهودا كبيرة لإصلاح المؤسسات وبناء مجتمع أكثر شفافية وعدالة. أهم خطوات الإصلاح تكمن في إعطاء فرصة للسلطة الفلسطينية، باعتبارها الحاملة للمشروع الوطني الفلسطيني وفق اعتراف العالم، واخيرا حماس، وخلق إعلام مستقل قادر على النقد والكتابة بشفافية، على الأقل لموازنة كل من ماكينة إعلام الاحتلال وماكينة الإخوان التي عملت لعقود على تشويه صورة السلطة الفلسطينية، وظهورها كسلطة مستسلمة وعميلة تعمل ضد الشعب والمشروع الوطني.
