سجل في القائمة البريدية

Edit Template

حماس بين انتهازية السلطة ووهم المقاومة: مقارنة مع تجربة حزب الله

تغريد سعادة

كثيرا ما يصنف حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية ضمن تيار واحد تحت مسمى “محور المقاومة”، وهو تصنيف يتجاهل الفوارق الجوهرية بين التجربتين. فبينما نجح حزب الله في تثبيت نفسه كجزء من الدولة اللبنانية مع التزام نسبي بقرارات الحرب والسلم وفق اعتبارات وطنية، انزلقت حماس إلى مسار مختلف بعد انقلابها على الشرعية الفلسطينية عام 2007، لتتحول إلى سلطة منفصلة في قطاع غزة، تحكمه بمنطق الحزب الواحد وتحتكر القرار السياسي والعسكري.

ارتبط حزب الله منذ نشأته بمشروع مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في إطار سياسي يضعه، رغم الجدل حول سلاحه، ضمن مؤسسات الدولة اللبنانية. الحزب شارك في الحكومات المتعاقبة، وخاض معاركه العسكرية الكبرى، مثل حرب تموز 2006، ضمن سياقات محسوبة، وأظهر استعدادا لتحمل نتائج قراراته. ورغم ارتباطه الإقليمي بإيران، ظل عمله الميداني منصبا على الساحة اللبنانية والإسرائيلية المباشرة.

على النقيض، اختارت حماس بعد سيطرتها على غزة نهجا يخلط بين السلطة والمقاومة، وهو خلط منحها حصانة داخلية من النقد والمحاسبة على مدى 18 عاما من الانقسام. فالتشكيك في قراراتها العسكرية أو سياساتها يقدم باعتباره “طعنا في المقاومة”، وهو ما أتاح لها تكرار جولات الصراع مع إسرائيل منذ 2008 وحتى اليوم، دون مراجعة أو تقييم داخلي، رغم الكلفة الإنسانية والمادية الفادحة التي دفع ثمنها الشعب الفلسطيني وليس حماس. بهذا النهج، تحولت المقاومة من مشروع تحرر وطني إلى أداة سياسية للبقاء في الحكم، ولو على حساب الدم الفلسطيني ومعاناة السكان.

انتماء حماس إلى جماعة الإخوان المسلمين أوجد لها شبكة تحالفات إقليمية مرتبطة بمشروع أوسع يتجاوز الساحة الفلسطينية، وهو المشروع الذي تقاطع أحيانا مع سياسات أمريكية لإضعاف بعض الأنظمة العربية، كما حدث في الموقف من سوريا. هذا الارتباط جعل مواقفها السياسية والعسكرية أحيانا انعكاسا لأولويات إخوانية أو إقليمية، لا بالضرورة الفلسطينية الخالصة. تهديدات قياداتها لمصر بخصوص معبر رفح، وتوتر علاقاتها مع الأردن، جاءت في سياق رفض البلدين خطط توطين الفلسطينيين، مما يضع حماس في مواجهة مباشرة مع مواقف عربية رافضة للتصفية.

بعد تجربة حزب الله في حرب 2006، التي انتهت بوقف إطلاق نار ومرحلة هدوء نسبي، لم تكرر المقاومة اللبنانية نفس النمط من المواجهة المباشرة إلا ضمن حسابات دقيقة. في المقابل، ظلت حماس تعيد نفس التكتيكات، من إطلاق الصواريخ إلى عمليات الأسر، منذ جلعاد شاليط وحتى السابع من أكتوبر 2023، دون تطوير استراتيجي أو تقييم للنتائج، ما جعل هذه المواجهات تتحول إلى دوامة استنزاف لا تغير موازين القوى، بل تزيد من معاناة القطاع.

الأخطر أن استمرار حماس في هذا المسار يخدم، من حيث النتيجة، أجندة اليمين الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو، الذي يجد في وجودها وسيطرتها على غزة ذريعة دائمة لاستمرار الحرب وتعطيل أي أفق سياسي. في المقابل، تستخدم حماس هذه الحالة لترسيخ سلطتها، حتى ولو كان الثمن المزيد من الدماء والدمار، وهو ما يفرغ مفهوم المقاومة من محتواه الأخلاقي والوطني.

تجربة حزب الله، تبقى مختلفة جوهريا عن تجربة حماس من حيث موقعها في الدولة، وطبيعة قراراتها العسكرية، وحدود ارتباطها الإقليمي. أما حماس فقد حولت المقاومة إلى سلطة، والسلطة إلى غطاء للمقاومة، في حلقة مغلقة تمنع المساءلة وتطيل أمد الانقسام، بينما يتحمل الشعب الفلسطيني في غزة الثمن الأكبر. من هنا، يصبح الخلط بين التجربتين تضليلا سياسيا، ويغدو الفصل بينهما ضرورة لفهم طبيعة كل تجربة وتقييمها بمعاييرها الحقيقية.

Post Views67 Total Count

تصفح المواضيع

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Ethical Dimensions in the Digital Age

The Internet is becoming the town square for the global village of tomorrow.

الأكثر قراءة

هاشتاغ

عن زيتون نيوز

زيتون نيوز موقع اعلامي صادر عن مركز رام للدراسات العربية. مختص بالشؤون العربية في كندا، بالاضافة الى الاهتمام بأهم القضايا في الوطن العربي. وهو موقع مهني تشرف عليه الصحفية تغريد سعادة التي تعمل في الصحافة لما يزيد عن عقدين من الزمان.
يقع المكتب الرئيسي في مدينة ادمنتون / ألبرتا. ويعمل على تقديم تغطية شاملة، لكافة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعرب في كندا. 

آخر الأخبار

  • All Posts
  • About Us
  • English News
  • أخبار
  • تحقيقات
  • ثقافة
  • شؤون الجالية
  • شؤون عربية
  • لقاءات
  • مقالات
  • منوعات
    •   Back
    • About us
    •   Back
    • Art and Cinema
    • Interviews

أقسام

 Zaytoun News © 2024

error: Content is protected !!