تغريد سعادة
تطوي حركة “حماس” اليوم صفحة عشرين عاما من حكمها لقطاع غزة، حكم اتسم بالقبضة الحديدية وأدير بالسلاح والنار، واستفرد فيه بالقطاع على حساب وحدة المشروع الوطني الفلسطيني، فكان الانقسام الجغرافي والسياسي بين غزة والضفة إحدى أبرز نتائجه.
غير أن الحركة، وبعد السابع من أكتوبر وما تبعه من حرب غير مسبوقة على القطاع شنه الاحتلال الاسرائيلي، باتت تجد نفسها بلا خيارات حقيقية، لتسلم بالأمر الواقع وتقبل بعودة السلطة الفلسطينية صاحبة الشرعية إلى الحكم في غزة، وفق صيغة “تكنوقراط توافقية” تحظى بغطاء عربي وإسلامي.
وخلال سنوات حكمها، دخل قطاع غزة ست حروب كبرى، بالإضافة إلى صراع قصير قادته حركة الجهاد الإسلامي منفردة وهي:
حرب 2008–2009 (الرصاص المصبوب): استمرت 22 يوما، وأسفرت عن استشهاد نحو 1,400 فلسطيني، بينهم مئات النساء والأطفال.
حرب 2012 (عمود السحاب): استمرت 8 أيام، واستشهد فيها أكثر من 170 فلسطينيا.
حرب 2014 (الجرف الصامد): استمر 51 يوما، وأوقع أكثر من 2,200 شهيد، إضافة لعشرات آلاف الجرحى والمشردين.
حرب 2018 (مواجهات مسيرات العودة الكبرى): شملت أياما متفرقة من القصف، وأسفرت عن سقوط أكثر من 200 شهيد.
حرب 2021 (سيف القدس): استمرت 11 يوما، وأسفرت عن نحو 260 شهيدا فلسطينيا.
الحرب الأخيرة بعد السابع من أكتوبر 2023: الأعنف على الإطلاق، تجاوز عدد الشهداء حتى اليوم يفوق 66 ألفا، في دمار غير مسبوق طاول معظم القطاع.
بيان حماس الأخير، المكتوب بدماء عشرات آلاف من الفلسطينيين، جاء مختلفا عن كل ما سبق. فالحركة أعلنت الموافقة الفورية على التفاوض للإفراج عن الرهائن وفق صيغة تبادل، وهو تحول لافت في خطابها السياسي الذي كان دائما مشبعا بالرفض أو بالشروط المسبقة.
كما أقر البيان، للمرة الأولى، باستعداد الحركة لتسليم إدارة غزة، ولو بصيغة مشروطة، إلى سلطة فلسطينية توافقية. وزاد على ذلك الاستجابة العملية للإنذار الأميركي، بعد تهديد مباشر من الرئيس دونالد ترامب، الذي توعد الحركة بـ”جحيم لم ير أحد مثله من قبل” إن لم توافق بحلول المهلة المحددة.
في جوهره، أراد بيان حماس أن يبدو وطنيا جامعا، متمسكا بفكرة “السلطة الفلسطينية” لا بحكم الحزب الواحد. لكنه في الوقت نفسه يعكس ضغوطا عسكرية وسياسية غير مسبوقة دفعت الحركة إلى خطاب دفاعي أكثر منه هجومي، وإنقاذي أكثر منه أيديولوجي.
إن انتقال حماس من خطاب “المقاومة الحصرية” إلى خطاب “التسليم للسلطة الوطنية التوافقية” ليس خيارا طوعيا، بل انعكاس لحقيقة مرة، أن سنوات الانقسام والحكم المنفرد وصلت إلى نهايتها، وأن ثمن السابع من أكتوبر لم يعد يسمح باستمرار الصيغة القديمة.
