رام الله – تغريد سعادة
في فلسطين القصة دائما مختلفة في الثقافة والسياسية والاقتصاد، حيث عمد الاحتلال منذ عقود طويلة وبشكل مقصود لتعطيل الحياة الطبيعية للفلسطينيين في كل المجالات، ومن ضمنها كان المسرح.
المسرح الفلسطيني كانت بداياته كبدايات جاراته من العرب، ولم يختلف كثيرا، وتأثر بالمسرح المصري والسوري الذي كان رائدا في بدايات القرن العشرين.
وكانت فلسطين محطة للارساليات التبشيرية من كل بقاع العالم باعتبارها الارض المقدسة، فقد عنيت الكنائس المتعددة بارسال الكثير من مسارحها كمنبر لتوصيل رسائلها العقائدية منها والاستعمارية. ثم كان الاحتلال البريطاني والذي كان يستقدم مسرحه الى فلسطين لتكون احد وسائل ترفيه جيشه المحتل، وكانت فرصة للفلسطينيين للاطلاع عليها عن قرب.
وبرغم هذا الاحتكاك المباشر بكل الخبرات المتعددة، الا ان المسرح الفلسطيني لم يتقدم الى الامام، بل عبثت به يد الاحتلال بعد النكبة لتخريبه لانه كان ومنذ بداياته حامل رسالة المقاومة والنضال. ووفقا للدراسات التاريخية فالمسرح تعطل تقريبا من النكبة حتى النكسة في عام 1967.
وفي بدايات السبعينات كان ثمة محاولات مسرحية كردة فعل على هزيمه النكسة، ونشأت فرق مثل بلالين ودبابيس وصندوق العجب ومسرح الحكواتي، منها من صمد ومنها من اندثر. اما في الثمانينات ووفقا للمتخصصين فقد ظهرت موجة جديده في المسرح الفلسطيني على يد من درسوا المسرح وكان من ابرزهم مسرح الرحاله والذي اعتمد اسلوب التجريب.
وبدأ المسرح الفلسطيني يستعيد نشاطه بعد قيام السلطة الفلسطينية في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، لتشكل ملامح قصة جديدة للمسرح في فلسطين.
يقول المخرج المسرحي فتحي عبد الرحمن انه بعد قيام السلطة الفلسطينية عمدت الى خلق مسرح جديد ذو تطلعات جديدة بعيده عن عنوان المقاومة والنضال، وجنحت نحو السلام والتعايش في اطار اعلان المبادئ اوسلو.
ويضيف في حديث خاص لـ “زيتون نيوز” اما المحاولات الاخرى والتي راى اصحابها ان الدور الذي يجب ان يتطلع اليه المسرح في حديثه عن قضايا الناس وهمومه والاحتلال ليكون المنبر المعبر لهم والتوعي في نفس الوقت، فقد حرم من الدعم المتواصل ولم يجد له حاضنة وطنية تموله.
ويتابع عبد الرحمن قائلا: وفي ظل هذه الظروف التي خلقت بعص المسارح تحت ظروف استثنائية تعني بالهم الانساني الفلسطيني الحقيقي وهمه الوطني وتتحدث عن قضاياه والاحتلال، وكانت بعيدة عن الاعلام وتسليط الضوء عليها، ونتيجة لظروفها المادية كانت متقطعة وليست دائمة، خاصة ان اصحابه لطالما بحثوا عن لقمة العيش خارج اطار العمل المسرحي الغير مربح.
عبد الرحمن يصف وضع المسرح الفلسطيني بالمتعثر وان لا هوية له او ديمومة، لذلك نشأت فرق قدموا عروض لفترة بسيطة ثم انقرضت او لا تتابع، والمشكلة الاساسية حسب تعبيره انه لم يكن ثمة مسرح دائم قوي يناقش هموم الناس ويخلق ثقافة مسرحية فهذا يحتاج لتراكم .
وقال ان المسرح الفلسطيني هو مسرح هواة لان البلد لا يعمل به الا اربعة او خمسة خريجيين مسرح لمدة تزيد عن 20 عاما منهم من عمل بالمسرح واستمر ومنهم من مات. ويضيف ان المسرح خبرات وتراكم وتعلم، واذا لم تتحقق ذلك سيكون الامر موقوف على مدى الموهبة والتي لم تصقل او تُدرب على ايدي اعلام في المسرح ومتخصصين للاستزادة من تجربتهم مضيفا ان المسرح الفلسطيني لم يكن امتداد للماضي، حتى في بدايات المسرح الفلسطيني من كتب المسرح هم ليسوا مسرحيين مثل معن بسيسو وغسان كنفاني واميل حبيبي وكلهم اصحاب ادب وشعر ورواية ولم يتأثروا بالمسرح او يعيشوا فيه.
وتابع “حتى فرانسوا ابو سالم ذلك الممثل المسرحي من اصل فرنسي الذي شارك في السبعينات في المسرح الفلسطيني واستفاد منه بسبب تجربته الفرنسية لم يستمر ولم ينجح في تشكيل فرق اخرى. “
ويقول المخرج المسرحي ان من يعمل داخل المسرح فسيكتشف حجم المأساة في العشرين عاما الاخيرة عندما اصبح المسرح مدعوما من الدول المانحة والتركيز على قضايا بعيدة عن اهتمامات الناس وقضاياه وقضايا الاحتلال. والجمهور عندما يذهب ليحضر، يرى ان المسرح بعيد عن اهتماماته ويركز على قضايا هامشية او حتى يصنع قضايا هي ليست موجودة كظاهرة معينة فيبتعد عن المسرح وهنا لم تنشأ ثقافة مسرحية في المجتمع الفلسطيني.
ويضيف ان المسرح الفلسطيني له بدايات كان يمكن ان تبشر بمولد مسرح متقدم، واملك صور لعروض مسرحية شاركت فيه النساء في الثلاثينات من القرن الماضي في الوقت التي تاخر ظهور النساء على المسرح في مصر وسوريا، ولكن تعتبر هذه التجارب طفرات .
اما الاهم من ذلك – يتابع عبد الرحمن قائلا ان ان مسرح الطفل ممنوع، حيث سنت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية بعدم دخول الفرقة المسرحية الى المدارس. كما انه ليس لدى المهتمين تخصص موجهة للطفل ولمشاكله وقضاياه وما يحدث هو عرض من حين الى اخر للطفل.
تدخل السياسي بالثقافي لم يخدم السياسة ولا الثقافة
اما المخرج المسرحي اكرم المالكي – وهو يعمل ايضا ممثلاً وكاتباً مسرحياً ومدرساً للدراما – يقول انه في الالفية الجديده ظهر جيل جديد من الشباب المسرحي بعد وجود كليات محلية تدرس الدراما .
واضاف في حديث خاص لـ “زيتون نيوز” ان المسرح الفلسطيني يقدم نماذج ايجابية دائماً ولكن لا يتقدم بالشكل المطلوب لاسباب موضوعيه كانت وما زالت تشكل عائقاً امام هذا التقدم، ومنها عدم وجود منهجيه وخطه وطنيه للثقافه عموماً وللمسرح على وجه الخصوص سواء في المناهج التعليمية من خلال المسرح المدرسي والمسرح الجامعي مما أدى أن المسرح لم يستطع أن يشكل عاده عند قطاعات واسعه من الجماهير واقتصر الحضور على فئات محدوده من المثقفين.
ويضيف ان المعيقات ايضا عدم وجود الدعم الكافي للانتاج المسرحي، سواء من الجهة الرسميه أو من المؤسسات الوطنية وهذا يجعل المسرح موسمي من جهة ولا يشكل التراكميه المطلوبة سواء على صعيد الحركة المسرحية او على صعيد العاملين فيه.
وقال ان عدم وجود شبكة أمان حقيقة للعاملين بالمسرح توفر لهم الدخل المطلوب للعمل بالمسرح أو بالعمل الدرامي عموماً سواء التلفزيوني او السينمائي، مما يشتت طاقتهم ويكونوا مضطرين للعمل في اعمال اخرى لتغطية نفقاتهم مما يؤثر سلباً على طاقتهم ومقدار عطائهم واستمراريتهم.
واوضح ان العاملين بالمسرح كانوا يعتبرون العمل بالمسرح عملاً نضالياً وشكل من أشكال التعبير عن الاراده الحره تحت الاحتلال، وكان معظم العاملين بالمسرح يدفعون من جيوبهم لتحقيق هذا الهدف، ولكن لا يمكن أن يستمر هذا الوضع في ظل سلطة وطنيه وشركات وطنيه عليها المساهمه بنصيبها في هذا الشأن مشيرا الى تدخل السياسي بالثقافي بشكل لا يخدم لا السياسي ولا الثقافي.
وختم حديثه بان المسرح الفلسطيني ليس في احسن احواله رغم بعض الظواهر المضيئه هنا وهناك، والمسؤوليه تقع بالاغلب على عاتق الجهة الرسميه لعدم توفيرها الامكانيات الكافيه حتى يقوم المسرح بدوره في ناحية التنوير ورفع الذوق العام والمساهمة في رصد كل الظواهر في المجتمع وتسليط الضوء عليها من اجل معالجتها بالشكل المطلوب.
المسرح في نكسة
مدير عام دائرة الفنون في وزارة الثقافة الفلسطينية وليد عبد السلام – وهو مسرحي وموسيقي– قال ان حضور السلطة الفلسطينية كان جيدا للمسرح وكان ثمة مؤسسات فاعلة في هذا المجال، الا ان السلطة عملت على تعزيز وجودها من خلال فتح مجالات للمشاركات الخارجية والدولية والمهرجانات والمواسم المسرحية وتوفير الاجواء والمناخ للعروض. كما اسست السلطة بعض المراكز مثل المركز الثقافي في رام الله ومركز الطفل بنابلس ومركز خليل السكاكيني .
ولم ينف عبد السلام ان المسرح يتعرض لنكسة لاسباب عديدة اهمها منافسة الفضائيات ومحطات التلفزة واعتمام الناس بالرقص والموسيقى اكثر.
واضاف في حديثه لـ “زيتون نيوز” لان العمل المسرحي مكلف وعمل جماعي فانه بعد انتاج المسرحية وتقديم العروض الافتتاحية يصبح كل عرض عبارة عن عبء مالي، ولا يكون من المضمون تغطية نفقات العرض من التذاكر بعد استفشاء عادة العروض المجانية بسبب وجود بعض المؤسسات المدعومة خارجيا ، كما ان المسارح غير مجهزة تقنيا مما يضطر الفرق توفير هذه التجهيزات وهذا يشكل عبء مالي اخر.
ويقول عبد السلام ان غياب الجسم النقابي الفاعل للمسرحيين تسبب بعدم وجود شراكات وفتح افاق للفنانيين واستقطاب اموال للانتاج وكل هذا ساهم في تراجع المسرح.
الا ان عبد السلام يعتبر انه في ظل كل ذلك كانت ثمة اعمال مسرحية هامة وعرضت في المحافل الدولية المهمة وحصدت جوائز مما يبشر بظهور جيل جديد للمسرح سيكون مختلفا عن الجيل السابق، وتابع، “وهذا ما نعول عليه واهمها مسرح نعم في الخليل، وهناك شباب خريجي اكاديمية الفنون في رام الله، والقصبة وفرق اساسية مثل عناد ومسرح الحارة ومسرح عشتار الذي خرج عدد من الشباب المهمين .”
ودافع عبد السلام عن وزارته قائلا نحن غير راضيين لما نقدمه للمسرح وفي كل المجالات ولكن ضمن الامكانيات المحدودة والميزانية المخصصة للوزارة نفعل ما يمكن فعله موضحا ان ميزانية وزارة الثقافة هي سبعة بالالف من ميزانية السلطة ولا تكفي لانتاج فيلم روائي طويل.
وقال نحن نفتح افاق اخرى كالصندوق الثقافي الفلسطيني والذي على مدار سنوات قدم منح للانتاج المسرحي واستفاد منها مجموعة من المؤسسات كما اننا نقدم الدعم لعروض المحافظات والمشاركات الخارجية، وايفاد طلبة للخارج ضمن اتفاقيات مع دول العربية كتونس ومصر وسوريا وقد تخرج عدد معقول من الطلبة الشباب من هذه المعاهد وثمة اتفاقيات بتوسيع هذه المنح والمشكلة المالية تواجه الكل، والكل يعيب على الكل.
وقال ان الجامعات يجب ان تلعب دورا في الاهتمام بالمسرح الجامعي وهذا غير موجود بشكل عام مشيرا الى ضرورة ان يدخل المسرح في المناهج ويجب ان تتوفر قاعات للمسرح في الجامعات .
وقال الحل يكمن باهتمام الجامعات بالمسارح وزيادة ميزانية الوزارة وترابط رابطة المسرحيين والبحث عن مصادر تمويل ونشر وعرض اعمال المسرحية في تلفزيون فلسطين لتعريف الناس بها .
المسرح لم يعد يؤدي دوره
اما عادل الترتير صاحب فرقة صندوق العجب والذي تأسس في السبعينات من القرن الماضي ولا يزال يعمل به قال ان ما يميز فرقته اعتماده على الامثال واللهجة المحكية حيث عمل على تطويره لتناسب المرحلة وليست تقليد لاحد، وهو من مؤسسي فرقة بلالين التي اندثر واعتبرت اول فرقة مسرحية مستقلة في حينها.
واضاف لـ “زيتون نيوز” ان حبه للمسرح وولعه فيه هو ما دفعه للاستمرار حتى ولو كان من جيبه، موضحا ان المسرح لم يكن متأصلا بحياة الناس ولم يكن حاجة ضرورية وملحة وليست جزء من ثقافتنا وحتى الان.
وقال ان اهم المعيقات التي تواجه المسرح في فلسطين الان هي انه ليس ضمن المنهاج الدراسي في المدارس والجامعات، بالاضافة الى انه ليس هناك قاعات مجهزة تخدم العمل المسرحي. واضاف ان وزارة الثقافة الفلسطينية لا امكانيات لديها لتتبنى عطاءنا وهي لم تقم بدورها.
الترتير يقول ان المسرح الفلسطيني وعلى مدار مسيرته وبرغم العراقيل يرى ان له مكانة مميزة ومتقدمة لاهمية المواضيع التي ناقشها في المسرح والصدق لان الاساس بالعمل المسرحي الاداء بجدية والمواضيع المختارة.
الا انه قال ان المسرح الفلسطيني لا يسر، لأن من عاش التجربة كلها ومنذ البدايات يرى ان المسرح لم يعد يؤدي دوره والذي على اساسه وجد، مشيرا الى ان التمويل الخارجي والذي بالضرورة يخدم الاجندة الخارجية لا علاقة له بالمجتمع مما تسبب في تراجعه، بالاضافة الى ان القائمين على المسرح ليسو الفنانين الحقيقيين المسرحيين، ولذلك يضيف الترتير “انني لا اشعر بانتماء له.”
