تغريد سعادة
بينما يواصل أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة معركتهم اليومية من أجل البقاء وسط العراء والجوع والبرد ونقص الدواء، وخرق واضح للاحتلال لوقف اطلاق النار، ينشغل الإعلام بملف لا يتجاوز مئتي مقاتل من حركة حماس عالقين في أنفاق رفح. في وقت اكدت قناة “العربي” المقربة من حماس انهم 50 مقاتلا فقط.
هكذا تتحول المأساة الكبرى إلى دراما مصطنعة تدار خلف الكواليس تحت عنوان “أزمة المقاتلين”، وكأن مصير غزة كلها يتوقف على مصير هؤلاء القابعين تحت الأرض الـ 200 على ابعد تقدير، لا على واقع الفلسطينيين الذين يعيشون فوقها.
ما يسمى بـ” أزمة أنفاق رفح” لم يكن سوى صناعة سياسية متقنة لإبقاء الصراع في دائرة ضيقة يمكن التحكم بها إعلاميا وتفاوضيا لا يخرج غزة للمرحلة الثانية من خطة ترامب.
فمنذ أن سرت الهدنة، كان واضحا أن واشنطن وتل أبيب تبحثان عن ملف جانبي يمكن استخدامه لتبرير استمرار الوجود العسكري الإسرائيلي في الجنوب، وخلق انطباع بأن ثمة “مشكلة أمنية” لم تحل بعد. وفي المقابل، وجدت حماس في هذه الأزمة فرصة لتأكيد وجودها وانها تملك مفاصيل الحل، والتذكير بأنها ما زالت تمتلك عناصر مقاومة في الميدان.
أما النتيجة، فهي تفاهم ضمني بين الطرفين على إبقاء الأنفاق ذريعة لتجميد الوضع القائم، فيما تركت غزة بلا كهرباء ولا دواء ولا مستقبل.
أن الحديث عن “تسوية لإخراج المقاتلين” يتصدر العناوين، بينما يترك مصير مئات الآلاف من النازحين في العراء بلا مأوى ولا طعام ولا لوازم طبية بالحد الادنى وبلا اي مستقبل. والاحتلال يقتل بالصواريخ، وحماس تحكم بالصمت.
وحين تختزل فلسطين في نفق، ويمحى الشعب من المعادلة، يصبح الاحتلال أكثر اطمئنانا، وتصبح المعاناة اليومية مجرد خلفية باهتة لما يجري يدفع ثمنه الشعب الفلسطيني في غزة والقضية الفلسطينية ايضا.
و بدأت الازمة حينما اعلنت حركة حماس أن الاتصال مع عناصرها المتواجدين في رفح انقطع قبل بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار في 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، مطالِبة عبر الوسطاء سلطات الاحتلال بالسماح بمرور آمن للمقاتلين إلى الجانب الآخر من “الخط الأصفر”. وجاءت مطالب حماس بعد ان اقدم مقاتليها في رفح على قتل جندي اسرائيلي بادعاء انهم لا يعلمون عن وقف اطلاق النار.
واعلن جيش الاحتلال اليوم انه “قتل عددا من مسلحي حماس بعد الاشتباك معهم شرق مدينة رفح، أقصى جنوب قطاع غزة، وهي المدينة التي أصبح عشرات مسلحي الحركة محاصرين داخلها بانتظار انتهاء أزمتهم.”
