يحيى بركات*
منذ إعادة تأسيس جماعة السينما الفلسطينية عام 2004، التزمنا نحن المؤسسين، برئاسة المخرج السينمائي الفلسطيني الراحل مصطفى أبو علي، مؤسس سينما الثورة الفلسطينية، بمبدأ راسخ: لا تطبيع مع الاحتلال، لا ثقافيًا ولا أكاديميًا ولا فنيًا.
هذا المبدأ لم يكن مجرد شعار، بل ممارسة فعلية أثبتت أننا، كفنانين وسينمائيين، قادرون على رفض الضغوط والإغراءات المالية مقابل الحفاظ على نقاء خطابنا الوطني واستقلاليتنا الثقافية.
على مدار السنوات، رفضنا مشاريع كبرى، من بينها تمويل نرويجي بقيمة 600 ألف يورو لإقامة مهرجان سينمائي دولي في فلسطين، لأنه اشترط مشاركة إسرائيلية. رفضنا تمويلًا ألمانيًا بقيمة 500 ألف يورو لفيلم عن القدس، لأن هدفه كان تقديم صورة زائفة عن “التعايش” تحت الاحتلال. رفضت شخصيًا تمويلًا بقيمة 300 ألف يورو لإنتاج فيلم عن سرقة الاحتلال للمياه الفلسطينية، لأن الجهة الداعمة اشترطت إنتاجًا مشتركًا مع إسرائيل.
هذه المواقف لم تكن فردية، بل تمثل إجماعًا للحركة السينمائية الفلسطينية، كما هو الحال في بقية قطاعات الثقافة والإعلام والأكاديميا.
التطبيع ليس وجهة نظر… بل مساس بجوهر القضية
اليوم، في ظل تزايد الضغوط الدولية ومحاولات فرض رواية “التعايش” كبديل عن مقاومة الاحتلال، يجب أن يكون موقفنا أكثر وضوحًا. لا يمكن أن نقبل بأعذار مثل:
“نيتنا كانت طيبة”
“المشروع يُظهر جانبًا من معاناة الفلسطينيين”
فالمعيار الأساسي لمناهضة التطبيع هو الالتزام بحقوق الشعب الفلسطيني وفق القانون الدولي، وعدم تقديم أي شرعية للاحتلال بأي شكل من الأشكال.
لا يوجد في الثقافة والفنون هامش تكتيكي فيما يمس القضية الوطنية، ولا تخضع تفرعات الثقافة ونتاجها الأدبي والفني للتكتيكات السياسية.
وهنا نوجه سؤالًا واضحًا للجيل الجديد من السينمائيين والفنانين الفلسطينيين:
لماذا نحتاج لإسرائيليين كي نروي قصتنا؟ لماذا نقبل بأن يكون حضورنا في المهرجانات والمشاريع الدولية مشروطًا بمشاركة من يمثل الاحتلال؟
الوعي هو السلاح الأول
حركة المقاطعة BDS وضعت معايير واضحة لمناهضة التطبيع، وهذه المعايير ليست محل اجتهاد شخصي. يجب أن تكون المرجعية لأي فنان أو أكاديمي أو إعلامي فلسطيني عند المشاركة في أي مشروع دولي.
يجب أن نكون يقظين أمام المشاريع الثقافية التي تحاول تمرير التطبيع تحت عناوين مضللة مثل “التبادل الثقافي”، “بناء الجسور”، “الفن من أجل السلام”. هذه المشاريع ليست سوى محاولات لترويض وعينا، ولجعل الاحتلال جزءًا من المشهد الطبيعي في حياتنا الفنية والثقافية.
دعوتنا للجيل الجديد
اقرأوا معايير مناهضة التطبيع لحركة BDS وافهموها جيدًا.
استشيروا من سبقكم من السينمائيين والمثقفين الذين رفضوا التمويل المشروط وبقوا أوفياء للقضية.
لا تسمحوا للجوائز والاعترافات الدولية بأن تكون على حساب الرواية الفلسطينية الأصيلة.
إن مسؤولية حماية الخطاب الثقافي الفلسطيني من الاختراق التطبيعي تقع على عاتق الجيل الجديد من الفنانين والمثقفين. فلتكن بوصلة أعمالكم واضحة: فلسطين التاريخية، الحرية، الاستقلال، والعدالة.
نحن لا نحتاج إلى وسيط إسرائيلي لنروي قصتنا…
أيعقل أن نروي قصتنا عبر من يحتلنا ويقتلنا، ويحاول سرقة جذورنا الثقافية والتاريخية؟
قصتنا نرويها وحدنا.
- مخرج فلسطيني
