تغريد سعادة
تحولت غزة اليوم إلى منطقة منكوبة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. لم يكفها الحرب المدمرة التي خلفت آلاف الشهداء و الضحايا وملايين الأطنان من الركام، ولا الحصار الذي أفقد الناس مقومات الحياة الأساسية، حتى جاء الشتاء ليكشف عمق الجرح الإنساني المفتوح.
في قطاع يعيش فيه أكثر من مليون ونصف المليون نازح، تضاعفت المأساة مع الأمطار الغزيرة التي حولت مخيمات الإيواء إلى برك طين، وجرفت الخيام الهشة التي أُقيمت على عجل فوق أراض غير مهيأة لتحمل هذا العدد الهائل من السكان.
تقديرات المنظمات الإنسانية تشير إلى حاجة ما يقارب ثلاثمئة ألف خيمة جديدة لاستيعاب أعداد النازحين التي تتزايد كل يوم، بينما لا تتجاوز أعداد الخيام التي دخلت فعليا خلال الأسابيع الماضية بضعة آلاف محدودة، غير كافية حتى لتغطية جزء صغير من الاحتياجات. وفي الوقت ذاته يعيش ما يقارب ثمانمئة ألف شخص في مواقع تهجير مهددة بالفيضانات، وقد غمرت السيول عددا من هذه المواقع بالفعل، مما أدى إلى انهيار خيام واندفاع المياه داخل الملاجئ المؤقتة.
خلال المنخفض الجوي الأخير في غزة سجلت وفيات مؤكدة بسبب البرد وانهيار المنازل، حيث أعلنت مصادر طبية وإعلامية محلية عن نحو 12 حالة وفاة خلال أقل من 24 ساعة. من بين الضحايا رضيع غرق داخل خيمة مغمورة بالمياه، وطفلة ورضيعة أخريان توفيتا من شدة البرد داخل خيام غير مجهزة لمواجهة الأمطار، إضافة إلى وفيات بسبب انهيار منازل متصدعة لجأت إليها عائلات نازحة بعد أن سقطت جدران وأسقف متضررة مسبقا من القصف، بينها خمسة أشخاص قضوا بانهيار منزل في بيت لاهيا واثنان توفيا بسقوط حائط على خيام نازحين في غزة. وتدل هذه الحوادث على أن انخفاض درجات الحرارة، وغياب المأوى الآمن، وتهاوي المنازل المتضررة تحت ضغط الأمطار، أصبحت جميعها أسباب مباشرة لوفيات تتكرر مع كل موجة طقس قاسية في قطاع محاصر ويفتقر إلى أبسط مقومات الحماية.
وحذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن الوضع الإنساني في قطاع غزة بلغ مستويات كارثية، مشيرا إلى أن أكثر من 80% من المباني السكنية والعامة دمرت أو تضررت بدرجة بالغة بفعل الغارات الإسرائيلية المتواصلة التي ما زالت توقع أعدادا كبيرة من الضحايا المدنيين وتلحق دمارا واسعا بالبنية التحتية.
وأعرب غوتيريش عن قلقه العميق إزاء هشاشة الوضع الأمني واستمرار أعمال العنف التي تهدد اتفاق وقف إطلاق النار، لافتا إلى أن التحسن الطفيف في دخول المواد الغذائية لم ينعكس على حياة السكان، إذ تبقى مصادر البروتين الأساسية خارج متناول معظم العائلات. ومع دخول الشتاء، يعيش مئات آلاف النازحين ظروفا مأساوية داخل خيام تفتقر إلى مقومات الحياة، في ظل استمرار الاحتلال في منع إدخال المنازل المتنقلة والمستلزمات الضرورية للإيواء، رغم أن الاتفاق ينص على دخول 600 شاحنة مساعدات يوميا بينما لا يسمح الاحتلال إلا بنحو 200 شاحنة.
وتحت تهديد دائم بالموت البطيء. ومع كل يوم يمر، يتضح أن غزة لا تواجه أزمة إنسانية فقط، بل كارثة مركبة تجمع الحرب والحصار والجوع والمرض والفيضان، ليجد سكانها المنكوبون أنفسهم في مواجهة جحيم متجدد لا يتوقف.
