سجل في القائمة البريدية

Edit Template

عن المقاومة

جميل عبد النبي

لا أخاطب هنا أولئك الذين يزعمون احتكارهم للمصطلح، المتهمين لغيرهم بأنهم أعداء للمقاومة، لمجرد انتقادهم لسلوك فصيل معين يزعم اختزال المقاومة في ذاته، ولو بمجرد الاسم، كأن يطلق مثلاً على نفسه، وبعض الذين يدورون في فلكه مصطلح “فصائل المقاومة” متعمداً، وقاصداً في نفس الوقت نفي صفة المقاومة عن أولئك الذين لا يتفقون معه، أو عن خصومه السياسيين بشكل عام، فأولئك أكاد أفقد الأمل في أن أقنعهم، لا أنا، ولا كل الذين يؤمنون بما أؤمن به بشيء خارج دائرة قوالبهم المقدسة، إنما أخاطب فئة الشباب تحديداً، الذين يمكن أن يتحولوا إلى فرائس وضحايا للديماغوجيا الثورجية، خاصة تلك المتلحفة بالدين، والتي تتقن اللعب على وتر عواطف الشباب الثورية والدينية.

بالعودة إلى الحديث عن المقاومة:

أولاً: المقاومة ليست فعلاً عاطفياً، ولا اندفاعياً، ولا ثأرياً، المقاومة ممارسة ذات أهداف يجب أن تكون ممكنة، وإلا تحولت إلى فعل عدمي، انتحاري، يخدم عدونا أكثر مما يخدمنا.

ثانياً: المقاومة وسيلة وليست غاية، فالغاية لكل الشعوب التي تمارس المقاومة هي الحرية، والحصول على الحقوق الوطنية، والإنسانية المختطفة من قبل جهات معادية.

ثالثاً: المقاومة حق مشروع لكل الشعوب التي تتعرض لاحتلال، أو استعمار، او اضطهاد من قبل دول أخرى.

رابعاً: ليس للمقاومة شكل أوحد، بل إنها متعددة الأشكال، تتسع لكل فعل من شأنه تحقيق الحرية، وتعطيل مشاريع العدو، تشمل المقاومة الأنشطة المسلحة، والدبلوماسية، والأدبية، والقانونية، ودعم صمود الناس المستهدفين من قبل اعدائهم، وتعزيز بقائهم في أرض يسعى المحتلون إلى اقتلاعهم منها، ومن حق الفلسطينيين أن يختاروا من أشكالها ما يناسب لحظتهم، وأن يستبعدوا منها ما يثبت ضرره، بسبب معطيات الواقع المفروض عليهم.

خامساً: المقاومة مقدس كل الفلسطينيين، ليس لأنها غاية في ذاتها، لكن لأنها وسيلتهم لاستعادة حقوقهم، وليس لجهة أي حق في زعم احتكارها للمقاومة، أو في زعم تعليمها للفلسطينيين أهمية المقاومة.

سادساً: مارس كل الفلسطينيون المقاومة، قولاً، وفعلاً، قبل أن تخلق كل الفصائل الفلسطينية المعاصرة، ولا يزالون، وسيواصلون، بقيت هذه الفصائل، أو زالت، فكما أبدعوا فيها قبلها، سيواصلونها بعدها، طالما أن هناك احتلال يرفض الاعتراف لهم بأي من حقوقهم الوطنية ولو بحدها الأدنى.

مشكلتنا مع حماس ليست في مبدأ المقاومة، لا كفكرة، ولا كممارسة، وما يحاوله طبالوها من وصف أي نقد لها وكأنه عداء للمقاومة ليس أكثر من أسلوب ترهيبي، يسعى لحشرك بين خيارين لا ثالث لهما: فإما أن تكون مع حماا س، دون الضرورة كعضو، وإما فأنت عدو للمقاومة، وهذا كلام فارغ، ترهيبي، لا قيمة له، ولا حظ له من الصحة، لذا فيجب ألا تؤثر فينا محاولاتهم، ولا لغتهم التخوينية، ولا شتائم ذبابهم الاكتروني، الذي يطلقونه على معارضيهم.

مشكلتنا مع حماس ذات أوجه متعددة:

أولاً: حصر المقاومة في شكل واحد، ليس المقاومة العسكرية فحسب، التي لا زالت أيضاً مشتركاً فلسطينياً، إنما في تضخيم حالة المقاومة، وتجييشها، وإقحامها في ميدان المواجهات المباشرة { الحروب } التي نزعم أنها محسومة مسبقاً لصالح العدو، فالمقاومة الذكية لا تقتحم الميادين المحسومة مسبقاً لصالح أعدائها، إنما التي تبحث عن المساحات الممكنة للفعل، الذي يرفع من تكلفة العدو، ويقلل من تكلفة شعبها.

ثانياً: وقد اعترف الكل الفلسطيني بأن مقاومته ليست هي التي ستدمر إسرائيل، ولا التي ستستطيع هزيمتها عسكرياً، إنما في أحسن ظروفها تلك التي تحافظ على جذوة الصراع مشتعلة، أو كما أحب ان أصف شخصياً: تلك التي تحافظ على بقاء المظلومية الفلسطينية حاضرة في الوعي العربي، والعالمي، وهي بهذا الهدف لا تحتاج إلى تجييش ميلشياوي يسهل استهدافه من قبل أعدائها، ويضاعف من ثمن التكلفة في الدماء، والممتلكات، وسبل الحياة، التي تساعد في الحفاظ على مبدأ البقاء في الأرض، كأهم هدف ممكن الآن، وكأهم نقيض للمشروع الصهيوني الذي يسعى لاقتلاعنا من الأرض، وبالتالي فإن عملية تجييش المقاومة من وجهة نظرنا كانت أخطر، وأسوأ ما اقدمت عليه حركة حماس والجهاد في الساحة الفلسطينية.

ثالثاً: عدم اكتراث حماس بحجم الخسائر في أرواحنا، ومقدرات حياتنا، مهما عظمت، ومهما صغرت الأهداف التي تسعى لتحقيقها، والتعامل معنا كمجرد أرقام، ليس مهماً ما يمكن فقدانه منها، واعتبار ذلك مجرد ثمن طبيعي، مرة أخرى، ولو كانت الأهداف صفرية، حتى لو كان هناك خطر حقيقي على مبدأ بقائنا في الأرض، فلقد أثبتت معركة طوفان حماس بأن خطراً بهذا الحجم ليس دافعاً لأن تعيد النظر في بعض أدواتها، ولا في مجرد اعترافها بأي خطأ، وإصرارها على صوابية خطابها، كحركة ربانية لا تخطئ أبداً.

رابعاً: أيدلوجية حماس الشمولية، التي تجعلها تشعر بالوصاية على شعبها، وكصاحبة حق في التدخل، والتحكم في أدق تفاصيله، بل وكل تفاصله، وإعادة صياغتها وفق الأيدلوجية الحمساوية.

خامساً: أيدلوجية حماس الضيقة التي لا تتسع للتنوع الفلسطيني، ولا تعترف به، إلا كمكون ضال، أو كافر، أو علماني، واختزالها للخيرية داخل جماعتها.

سادساً: انغلاق حماس على ذاتها، واستعلائها على الكل الوطني، وضيقها بأي أفكار مختلفة، وعدم ثقتها حتى بأقرب شركائها، وحلفائها.

سابعاً: ارتباطات حماس الخارجية خاصة مع جماعة الإخوان، ما يجعل حماس ليست حركة وطنية، إنما أممية الأهداف، ليست فلسطين هي مشروعها المركزي، إنما فلسطين ليست أكثر من نكاشة أسنان- على حد وصف الدكتور محمود الزهار- بينما يتسع مشروعها ربما لإعادة فتح العالم، وهذا ما لا نسعى إليه كفلسطينيين، يعتبرون فلسطين هي قضيتهم المركزية، ولا يبحثون عن خصومات مع أي دولة في العالم، سوى تلك التي تبادر لمعاداتنا.

ثامناً: ممارسات حماس الحكومية، التي لم تتصف بالعدل، والمساواة مع كل أبناء شعبها، إنما في محاباة واضحة لمنتسبيها، وكذلك اعتدائها على الحريات الفردية، وسلوكها القمعي تجاه أي مظهر احتجاجي على حكمها مهما كان سلمياً، وهذا طبعاً ما يعرفه الغزيون، ولم يكن محل اهتمام، أو تغطية من قناة الجزيرة.

نحن خصوم حماس السياسيون، ونرفض نهجها، واسلوبها، لكننا لسنا خصوماً للمقاومة، ولن نكون، مهما حاولت جوقة حماس وصمنا بذلك.

للحديث مليون بقية، لكن طول المقال يفرض عليّ الاكتفاء إلى هذا الحد.

Post Views51 Total Count

تصفح المواضيع

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Ethical Dimensions in the Digital Age

The Internet is becoming the town square for the global village of tomorrow.

الأكثر قراءة

هاشتاغ

عن زيتون نيوز

زيتون نيوز موقع اعلامي صادر عن مركز رام للدراسات العربية. مختص بالشؤون العربية في كندا، بالاضافة الى الاهتمام بأهم القضايا في الوطن العربي. وهو موقع مهني تشرف عليه الصحفية تغريد سعادة التي تعمل في الصحافة لما يزيد عن عقدين من الزمان.
يقع المكتب الرئيسي في مدينة ادمنتون / ألبرتا. ويعمل على تقديم تغطية شاملة، لكافة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعرب في كندا. 

آخر الأخبار

  • All Posts
  • About Us
  • English News
  • أخبار
  • تحقيقات
  • ثقافة
  • شؤون الجالية
  • شؤون عربية
  • لقاءات
  • مقالات
  • منوعات
    •   Back
    • About us
    •   Back
    • Art and Cinema
    • Interviews

أقسام

 Zaytoun News © 2024

error: Content is protected !!