سجل في القائمة البريدية

Edit Template

عن خطاب ابو عبيدة الذي غاب عنه المساءلة

تغريد سعادة

في ظهوره الأخير، قال الناطق العسكري باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، أبو عبيدة، إن “مقاومة غزة هي أعظم مدرسة عسكرية في التاريخ المعاصر”. جملة صادمة بسبب ما تحمله من إنكار للواقع السياسي والإنساني والعسكري الذي تعيشه غزة.

منذ أن انقسمت غزة عن الضفة الغربية عام 2007، لم تعرف غرة انتصارا واحدا مستقرا. كل جولة من “المقاومة” تنتهي بكارثة إنسانية. عدوان 2008- 2009، ثم 2012، ثم 2014، ثم 2021، وأخيرا 2023، كانت كلها حروبا دفعت غزة فيها دماء أبنائها، مقابل رهائن اسرائيليين او رسائل صاروخية تنتهي دوما بوساطات إقليمية، وتهدئات مؤقتة، ثم إعادة إعمار مؤلم، ثم عودة إلى الصفر، أو دونه.

فأين هي هذه المدرسة العسكرية العظيمة التي لا تبني قوة رادعة حقيقية، ولا تحمي المدنيين، ولا تمنع الاجتياح، ولا تحصد سوى الدمار؟

المقاومة يجب ان تكون جزءا من رؤية وطنية موحدة وشراكة سياسية مع باقي مكونات الشعب وليس منعزلة عنه. أما في غزة، فقد اختزلت المقاومة إلى جهاز عسكري مغلق، ومصادرة للقرار الوطني الفلسطيني، ومنافسة داخلية أضعفت البيت الفلسطيني، وكرست الانقسام.

ما الذي جناه الشعب الفلسطيني منذ أن استأثرت حماس بحكم القطاع؟ تضاعف الحصار، تدهور الاقتصاد، تفككت وحدة القرار الفلسطيني، وانهارت صورة المقاومة الجامعة التي يقف خلفها الشعب بكل أطيافه. ورغم شجاعة المقاتلين في الميدان، لم تترجم هذه التضحيات إلى نتائج سياسية. فالمقاومة التي لا تنتج حرية، ولا توحد الشعب، ولا تضمن كرامة العيش، هي مقاومة تحتاج مراجعة، لا تمجيدا.

في عهد حماس، في غزة تفشت المحسوبية، وارتفعت الأسعار، وتحكمت طبقة من التجار والصرافين في أرزاق الناس، تحت راية أجهزة حماس ذاتها. فهل هذه هي “المدرسة العسكرية الأعظم”؟

القضية الفلسطينية تمر اليوم بأسوأ حالاتها. فبين الاحتلال المتغول، والانقسام الداخلي، والتخلي الدولي، واحتراق غزة تحت القنابل، لم يعد هناك متسع لخطاب الشعارات الجوفاء. المطلوب اليوم خطاب واقعي، ومراجعة عميقة، ومصارحة مسؤولة.

لقد أثبتت السنوات الماضية أن البندقية وحدها لا تكفي، وأن الحكم المطلق لمقاومة لا تقبل الشراكة، ينتج الفشل لا النصر. وأن المقاومة التي لا تحمي شعبها، ولا توفر الخبز قبل الرصاص، ولا تصغي لصوت الناس، تتحول تدريجيا إلى عبء.

في الوقت الذي يعاني فيه أهالي غزة من ويلات الحرب ومن الجوع والدمار والنزوح، تطالبهم حماس بالصبر والصمود، دون أن تقدم أي اعتذار للشعب الذي زج به في معركة لا يعلم عنها شيئا، ولا وعد بانفراج قريب يخفف من معاناتهم. بل على العكس، يواصل خطابها تهديد الاحتلال بجولة جديدة، في وقت لم يندمل فيه جرح الجولة الأولى بعد.

هذا الخطاب الدي يتناسى فيه المسؤولية، يعمق الشرخ القائم بينها وبين الناس، الذين باتوا يتساءلون: ما جدوى السلاح إن لم يحمنا؟ وما جدوى الحرب إن لم توقِف هذا الجوع؟ وسياسيا ماذا استفادت القضية الفلسطينية غير التراجع واعادة احتلال غزة وتنفيذ مخططات التهجير.

اللافت أن الخطاب العسكري والإعلامي لحماس لا يتضمن أي مساءلة ذاتية أو نقد داخلي، بل يعيد إنتاج الرواية ذاتها، وكأن الشعب لا يحق له حتى السؤال عن الأسباب أو المطالبة بالبدائل.

غزة لا تحتاج مدرسة عسكرية جديدة، تاريخها يشهد لها انها دوما كانت صاحبة المبادرة في تلقين الاحتلال الدروس. وكل ما تحتاجه الان إلى مقاومة تدير معركتها بعقل وطني، لا بمنطق الانفراد، ولا بشعارات تزين الألم بدل أن تنهيه.

Post Views57 Total Count

تصفح المواضيع

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Ethical Dimensions in the Digital Age

The Internet is becoming the town square for the global village of tomorrow.

الأكثر قراءة

هاشتاغ

عن زيتون نيوز

زيتون نيوز موقع اعلامي صادر عن مركز رام للدراسات العربية. مختص بالشؤون العربية في كندا، بالاضافة الى الاهتمام بأهم القضايا في الوطن العربي. وهو موقع مهني تشرف عليه الصحفية تغريد سعادة التي تعمل في الصحافة لما يزيد عن عقدين من الزمان.
يقع المكتب الرئيسي في مدينة ادمنتون / ألبرتا. ويعمل على تقديم تغطية شاملة، لكافة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعرب في كندا. 

آخر الأخبار

  • All Posts
  • About Us
  • English News
  • أخبار
  • تحقيقات
  • ثقافة
  • شؤون الجالية
  • شؤون عربية
  • لقاءات
  • مقالات
  • منوعات
    •   Back
    • About us

أقسام

 Zaytoun News © 2024

error: Content is protected !!