تغريد سعادة
ينبغي إعادة النظر بالقول إن “الربيع العربي” بدأ في تونس عام 2010، لأن فلسطين شهدت ما يمكن تسميته “الربيع الفلسطيني” قبل ذلك بكثير، وتحديدا عام 2007. ففي ذلك العام، تمكنت حركة حماس من السيطرة على قطاع غزة، مستفيدة من العتاد العسكري بالإطاحة بالسلطة الفلسطينية الشرعية.وما جعل هذا الانقلاب مختلفا هو أن السيطرة لم تحدث في إطار صراع عادي بين فصيلين متكافئين، بل كان انقلابا على سلطة لها شرعية، وهو ما يضع الأساس لفهم أبعاد الانقسام لاحقا.
اللافت أن دخول الأسلحة التي كانت بحوزة حماس إلى قطاع غزة لاحداث الانقلاب تم دون رقابة فعلية، مما يثير تساؤلات جدية حول دور الاحتلال الإسرائيلي في تسهيل وصولها. هذه الظروف لم تكن محايدة، بل وفرت البيئة الملائمة لدعم مشروع حماس في السيطرة على السلطة.
حتى جلسات المصالحة التي جرت بين حركتي حماس وفتح كانت غريبة في منطقها، إذ كانت تميل إلى إدارة الصراع بين الفصيلين لا معالجة الانقسام على أساس شرعي ودستوري. بالممارسة، كان الحوار يعكس محاولة لإعادة توزيع النفوذ بين فصيل مسيطر على السلطة في رام الله وآخر في غزة، مع غياب الحديث الحقيقي عن شرعية السلطة كما نسمع عنها اليوم كثيرا.
من الظواهر اللافتة بعد الانقسام، الزخم الإعلامي والسياسي ضد السلطة الفلسطينية، الذي كان يسلط الضوء بشكل مستمر على فسادها، بينما كانت الفصائل الأخرى، بما فيها حماس، تواجه انتقادات أقل، رغم وجود ملفات فساد معروفة داخلها. هذا الاستهداف الانتقائي خلق حالة من الاستقطاب المجتمعي.
ما كشفته هذه التجربة هو حجم الاهتراء المجتمعي الذي نعيشه، اذ ان هناك من يتحدث عن المطالبة بالانتخابات ومحاربة الفساد، بينما كان هؤلاء جزءا من المنظومة المستفيدة واستثمروا فيها، ثم أصبحوا يهاجمون السلطة عند فقدان مصالحهم. هذه المفارقة تعكس انتهازية واضحة ونقصا في المصداقية المجتمعية والسياسية، وهو ما يستدعي قراءة دقيقة لكل الملفات وليس مجرد تبني خطاب انتقائي.
إن إعادة قراءة الانقسام الفلسطيني بعد عام 2007 تكشف أن ما حدث لم يكن مجرد خلاف داخلي، بل وفرت له ظروف موضوعية بمساعدة الاحتلال وأطراف خارجية دعمت الانقسام واستمراره. كما أن الاستهداف الانتقائي للسلطة وغياب الرقابة على الفصائل الأخرى أوجد حالة من الانقسام المجتمعي وانتقائية في النقد. يبدأ الإصلاح الحقيقي بكشف جميع الملفات ومحاسبة الجميع، وإجراء انتخابات حقيقية على أسس واضحة، لضمان أن يصبح النقد والمساءلة أدوات بناء، لا أدوات انتقام أو انتهازية.
