تغريد سعادة
عارضت إيران في عهد الشاه محمد رضا بهلوي قرار تقسيم فلسطين عام 1947، معتبرة أنه يمثل انتهاكا لحقوق الشعب الفلسطيني ويشكل ظلما تاريخيا. كما اعترضت إيران على بعض سياسات إسرائيل التوسعية، ورفضت الانجرار إلى تحالف علني يضر بعلاقاتها مع الدول العربية.
وحتى عام 1953 اعترفت ايران بإسرائيل بشكل ضمني من دون إقامة علاقات دبلوماسية كاملة. واحتفظت بعلاقات أمنية وتجارية قوية مع إسرائيل استمرت حتى سقوط النظام الشاه عام 1979.
ورغم فتح مكتب مصالح إسرائيلي في طهران، رفض الشاه رفع مستوى العلاقات إلى سفارة رسمية خوفا من الغضب الشعبي والعربي و الإسلامي.
وحسب التقرير فان العلاقات لم تكن مدفوعة بإرادة الشاه، بل كانت مدعومة من واشنطن في إطار الحرب الباردة، وهذا ما ساعد في استمرار العلاقة بين ايران و اسرائيل رغم الفتور أو التوتر في احيان كثيرة.
وتؤكد تقارير ان الشاه دعم ماليا منظمة التحرير الفلسطينية في بعض المراحل، خصوصا بعد حرب 1973، في محاولة لكسب تأييد الشارع العربي والإسلامي. وهو ما أغضب إسرائيل، واعتبرته خيانة ضمنية.
في ذات السياق، تعاون الشاه في المجال الأمني والعسكري مع اسرائيل، حيث زودت إيران إسرائيل بالنفط، بينما قدمت إسرائيل لطهران معدات عسكرية وتكنولوجيا متقدمة. وكان هناك تعاون وثيق بين جهاز الموساد الإسرائيلي و جهاز الاستخبارات الإيراني السافاك. كما تعاون الجانبان في إنشاء مشروع خط أنابيب إيلات–أشكلون ، الذي سمح بنقل النفط الإيراني إلى أوروبا عبر الموانئ الإسرائيلية على البحر المتوسط.
لكن بعد الثورة الإسلامية عام 1979، تحولت العلاقة إلى عداء علني. وتبنت الجمهورية الإسلامية الإيرانية خطابا معاديا لإسرائيل، دعت فيه إلى زوالها، وقطعت جميع أشكال العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية.
ومع ذلك، تشير وثائق ووقائع لاحقة إلى أن القطيعة لم تكن كاملة خلف الكواليس. ففي الثمانينيات، وخلال الحرب الإيرانية-العراقية، ظهرت فضيحة “إيران – كونترا” (1985–1986)، التي كشفت عن صفقات سرية تمت بوساطة أمريكية، باعت بموجبها إسرائيل أسلحة لإيران مقابل وعود بالإفراج عن رهائن أمريكيين في لبنان. أظهرت تلك الصفقة جانبا عمليا من العلاقة، يخالف الخطاب العدائي المعلن.
كذلك، تشير تقارير إلى استمرار تجارة غير مباشرة بين إيران وإسرائيل، شملت قطع غيار عسكرية ومعدات طبية، عبر وسطاء أوروبيين وآسيويين. وبعد عام 2000، كشفت مصادر إعلامية عن وجود تبادل تجاري غير مباشر، خاصة في قطاعات الزراعة، المعدات الطبية، وقطع الغيار الصناعية، أُجري غالبا عبر الإمارات أو تركيا أو دول أوروبية كأطراف ثالثة.
تقديرات غير رسمية لمراكز أبحاث غربية قدرت أن حجم التبادل التجاري غير المباشر بين الطرفين بلغ في بعض الفترات عشرات ملايين الدولارات سنويا. كما أوردت تقارير معلومات عن وجود منتجات إسرائيلية في السوق الإيراني تحت أسماء تجارية مختلفة.
ورغم غياب اللقاءات الرسمية المعلنة بين مسؤولين إيرانيين وإسرائيليين، أظهرت وثائق استخباراتية ودبلوماسية أن هناك رسائل غير مباشرة كانت تنقل بين الطرفين عبر وسطاء، خصوصا من الاستخبارات الأمريكية والأوروبية، لا سيما في الأوقات التي تصاعدت فيها التوترات بشأن الملف النووي الإيراني أو الوضع الأمني في سوريا ولبنان.
من جهته، يعد بنيامين نتنياهو من أبرز السياسيين الإسرائيليين الذين حذروا مبكرا من الخطر الإيراني. فمنذ تسعينيات القرن الماضي، تبنى نتنياهو خطابا متشددا تجاه إيران، مؤكدا في أكثر من مناسبة أن إسرائيل “ستتحرك في الوقت المناسب” لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، ومتهما طهران بدعم حماس وحزب الله وزعزعة الاستقرار الإقليمي.
هكذا، تحول البلدان من حليفين استراتيجيين قبل عام 1979 إلى خصمين إقليميين لدودين. لكن، كما تكشف الوثائق والسجلات، فإن القطيعة التامة لم تكن دائما واقعية، إذ استمرت بعض أشكال التعاون غير المباشر والتجاري في الظل، بعيدا عن الأضواء السياسية والإعلامية.
35 Total Count
