تغريد سعادة
أعلنت الهيئة الملكية الأردنية للأفلام عن ترشيح الفيلم الأردني الطويل “اللي باقي منك” لتمثيل المملكة رسميا في الدورة الـ 98 لجوائز الأوسكار عن فئة الأفلام الروائية الطويلة الدولية لعام 2026. الفيلم من تأليف وإخراج الأردنية الفلسطينية شيرين دعيبس، ويعد أحدث إنجازاتها بعد مسيرة حافلة قدمت خلالها أعمالا تركت بصمتها على السينما العالمية.
وفي الوقت ذاته، اختارت وزارة الثقافة الفلسطينية فيلم “فلسطين 36” للمخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر لتمثيل دولة فلسطين في القائمة الأولية لجائزة أفضل فيلم دولي طويل في الأوسكار نفسه، ليعكس هذا الترشيح استمرار حضور السينما الفلسطينية في المحافل العالمية، وبصوت نسائي بارز.
“اللي باقي منك”: الذاكرة والمقاومة على الشاشة
يروي فيلم “اللي باقي منك” حكاية مراهق فلسطيني يشارك في احتجاجات بالضفة الغربية، بينما تستعيد والدته قصة العائلة منذ عام 1948 بما تحمله من نضال وأمل وصمود. الفيلم من بطولة صالح بكري وآدم بكري ومحمد بكري وماريا زريق، ومن إنتاج الألماني ثاناسيس كاراتانوس. وقد جرى تصويره في عمّان والبلقاء بمشاركة طاقم محلي يضم 90 شخصا، مستفيدا من حوافز الهيئة الملكية للأفلام.
الفيلم حظي بإشادة نقدية واسعة في عرضه العالمي الأول بمهرجان صندانس السينمائي 2025، قبل أن يحصد عدة جوائز دولية كبرى، منها جائزة البوابة الذهبية وجائزة الجمهور في مهرجان سان فرانسيسكو السينمائي الدولي، وجائزة الجمهور في مهرجان سيدني، وجائزتا أفضل فيلم وأفضل سيناريو في مهرجان ماليزيا السينمائي الدولي.
شيرين دعيبس، مخرجة الفيلم، سبق أن لفتت الأنظار عالميا بفيلمها الروائي الأول “أميركا” (2009) الذي عرض في صندانس ونال جائزة “فيبريسي” في مهرجان كان، إضافة إلى أكثر من 12 جائزة دولية. كما عملت على إخراج وإنتاج حلقات من مسلسلات عالمية بارزة مثل “رامي” و”مو” و”Ozark” و”Only Murders in the Building”.
“فلسطين 36”: التاريخ يعيد نفسه
أما فيلم “فلسطين 36” للمخرجة آن ماري جاسر، فيعود بالمشاهد إلى زمن الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1936، حيث اندلعت أكبر وأطول انتفاضة ضد الاستعمار البريطاني. يتنقل البطل يوسف بين قريته الريفية ومدينة القدس المليئة بالتوترات السياسية، في ظل تزايد أعداد المهاجرين اليهود القادمين من أوروبا. ومع تصاعد الغليان الشعبي، تتجه البلاد نحو مواجهة حتمية ترسم ملامح مستقبل المنطقة.
الفيلم دراما تاريخية تمتد لساعتين تقريبا، ويضم طاقما مميزا من الممثلين العرب والعالميين، منهم: جيريمي أيرونز، صالح بكري، هيام عباس، ياسمين المصري، وظافر العابدين. ويتوقع أن يحظى الفيلم باهتمام كبير في عرضه العالمي الأول خلال مهرجان تورونتو السينمائي الدولي في سبتمبر المقبل.
آن ماري جاسر تعد من أبرز المخرجات الفلسطينيات اللواتي قدمن سينما تحمل هوية واضحة ورسالة إنسانية، حيث سبق أن أخرجت أعمالا لاقت نجاحا نقديا واسعا مثل “ملح هذا البحر” (2008)، “لما شفتك” (2012)، و”واجب” (2017).
بين الذاكرة والهوية
اللافت أن الترشيحين الأردني والفلسطيني يتقاطعان في كونهما يرويان قصصا فلسطينية بعدسة مخرجات نساء فلسطينيات، يضعن الهوية والتاريخ الفلسطيني في قلب السرد السينمائي. فبينما يغوص “اللي باقي منك” في ذاكرة النكبة وصمود الأجيال، يستعيد “فلسطين 36” واحدة من أهم لحظات النضال الفلسطيني ضد الاستعمار البريطاني.
هذا الحضور المزدوج يعكس الدور الحيوي للسينما كمساحة لمقاومة النسيان وإعادة سرد الرواية الفلسطينية للعالم. كما يبرز تزايد تأثير المخرجات الفلسطينيات اللواتي قدمن أعمالا تحمل جرأة في الطرح وعمقا في المعالجة الفنية.
ستعلن أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة في 16 ديسمبر 2025 قائمة الأفلام المؤهلة، فيما تصدر الترشيحات النهائية في 22 يناير 2026. أما حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ 98 فسيقام في 16 مارس 2026 في هوليوود.
وحتى ذلك الحين، يبقى ترشيح الفيلمين شهادة على أن السينما الفلسطينية، سواء عبر الأردن أو فلسطين، تواصل إثبات حضورها على الساحة العالمية، وتقدم قصصا إنسانية عابرة للحدود، لكنها متجذرة في أرض النكبة والنضال.
