تغريد سعادة
حين يتعرض بيتك للهجوم والاقتلاع، حتى لو كانت بينك وبين والدك أو إخوتك خلافات عميقة، فإن واجبك الأول هو حماية البيت. في تلك اللحظة، لا يكون النقاش حول وجهات النظر المتعارضة، ولا تقدم الخلافات الداخلية على الخطر الوجودي.
وهكذا هي فلسطين، حين تتعرض لمؤامرة تستهدف وجودها، يجب أن يتوقف الاشتباك الداخلي، وألا يتحول إلى عائق أمام أي التفاف جماعي. هذا هو جوهر الوعي.
إن الانغماس في صراعات المصطلحات والتصنيفات المطلقة، بين من هو الوطني والعميل، وبين المقاومة والسلطة دون ارتباط بالحقيقة، هو ما قادنا إلى هذا الكم من التناقضات، بل وإلى العجز عن الحوار نفسه. وكان من المفترض أن تتداعى الطبقة المثقفة، لا كلها بالضرورة، ولكن على الأقل جزء معتبر منها، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
غير أن أصل الأزمة يكمن في هذه الطبقة ذاتها؛ فإما أن يغيب عنها الوعي الكامل والصورة الحقيقية للمشكلة، أو أن تكون ذمم بعض أفرادها قد شريت، في تناقض صارخ مع مبرر وجودها، أو أنها انتهازية تقبض وتطعن، وهو حال عدد غير قليل للأسف.
ما وصلنا إليه مربك إلى حد إضاعة البوصلة. ومع صعود “موضة” البودكاست الموجه ضد السلطة، برزت منصات تسرد قصصا أقرب إلى الخيال، تقص وتلصق ما يخدم خطابها غير العلمي وغير المنطقي أساسا، وتطلق ادعاءات بلا توثيق. ويكفي، في هذا المناخ، أن تكون معارضا للسلطة كي تصنف مقاوم، والمقاوم يفترض أنه الشريف، صاحب الضمير، المتفاني في حب فلسطين حتى الموت.
لكن الواقع في كثير من الأحيان مغاير تماما؛ فلا تلك الصفات تتبلور، ولا لما يقال قيمة حقيقية. والأكثر ما يلفت للانتباه أن هذا الخطاب يستقطب المشاهدات والتفاعل.
نشكو أمرنا إلى الله.
