تغريد سعادة
في خضم التصعيد المتسارع بين إسرائيل وإيران، برز الموقف السعودي بالداعم العلني لايران. حيث بادر ولي العهد محمد بن سلمان إلى الاتصال بالرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، معزيا ومنددا بالعدوان الإسرائيلي، اضافة ان المملكة وقعت على بيان مشترك مع 21 دولة إسلامية يحمل إسرائيل مسؤولية التوتر ويدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار.
هذه اللغة المتعاطفة مع إيران، والمنتقدة لإسرائيل، أثارت تساؤلات عديدة: ما الذي يدفع السعودية، التي عرفت تاريخيا بعدائها لطهران، إلى هذا التحول؟ وهل تغير موقفها من إيران يعني تغيرا من تحالفها الطويل مع الولايات المتحدة؟
لأكثر من أربعين عاما، اتسمت العلاقة بين السعودية وإيران بالتوتر والصراع على النفوذ. بلغت القطيعة ذروتها في 2016 بعد إعدام السعودية الرجل الشيعي نمر النمر، وكان رد طهران الغاضب حيث اقتحم متظاهرون إيرانيون مبنى السفارة السعودية في طهران وأضرموا النار فيها، كما نظمت طهران احتجاجات كبرى ضد الرياض. في المقابل كان الرد السعودي قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران مباشرة بعد الاعتداء على السفارة، وطرد جميع الدبلوماسيين الإيرانيين خلال 48 ساعة، وتشكيل جبهة خليجية وعربية لإدانة تصرفات إيران وتوسيع عزلتها.
لكن بحلول 2023، وبفضل وساطات عراقية وعُمانية ثم تدخل صيني حاسم، عاد الطرفان لتبادل السفراء واستئناف العلاقات.
هذا التقارب لم يكن وليد لحظة رمزية، بل نتيجة تحول استراتيجي سعودي عميق فرضته تطورات داخلية وإقليمية ودولية.
تحولت السعودية في السنوات الأخيرة من دولة محافظة تدير صراعات إقليمية، إلى دولة تسعى للتنمية والانفتاح بقيادة “رؤية 2030”.
المشروع الذي يقوده ولي العهد محمد بن سلمان يتطلب بيئة مستقرة، لا ساحات مواجهة مفتوحة. لذلك، التقارب مع إيران كان ضرورة سياسية.
وفي عام 2019، حين تعرضت منشآت أرامكو لهجوم صاروخي اتهمت إيران بالوقوف خلفه، ولم يكن موقف الولايات المتحدة مرضيا للسعودية، وما تبعه من سياسية الرئيس الامريكي حينها جو بايدن من انتقادات علنية لولي العهد، ورغبته في العودة للاتفاق النووي مع إيران.
كل ذلك دفع السعودية إلى مراجعة الرهان على واشنطن، والبحث عن توازن جديد في العلاقات الدولية، وهو ما فتح الباب أمام الصين، ووسع هامش المناورة مع إيران وروسيا.
رغم هذا التحول في السياسة السعودية، هناك تنسيق دبلوماسي نشط بين الرياض وواشنطن حول ملف إيران، وإن كان ذلك غالبا عبر قنوات غير مباشرة.
اتت زيارة وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان لطهران في ابريل 2025، حاملا رسالة ملكية، لتعكس هذا الدور الوسيط. التقى خلالها بالمرشد الإيراني علي خامنئي، والرئيس بزشكيان، ناقلا رسالة خطية من الملك سلمان بن عبد العزيز، ومؤكدا رغبة بلاده في تعزيز الاستقرار الإقليمي. الزيارة لم تكن بمعزل عن واشنطن؛ بل جاءت عشية جولة جديدة من المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة.
هذا التنسيق يعبر عن سياسة تعدد المحاور، حيث تستخدم السعودية علاقاتها مع الطرفين لتحقيق استقرار إقليمي يحمي مصالحها. وتحديدا في سياق الحرب اليمنية، فجاء التقارب مع طهران كمدخل واقعي لحل ينهي النزيف الحاصل، بدلا من استمرار دوامة العنف.
في المقابل، راهن الإسرائيليون على تطبيع واسع مع الدول العربية لمحاصرة إيران، فوجئت بأن الرياض تفتح أبواب الحوار مع طهران .
صحف إسرائيلية وصفت الموقف السعودي الأخير بـ”الضربة الباردة”، وأبدت مخاوف من أن تتحول الرياض إلى وسيط أو طرف محايد، ما يضعف الجبهة المناهضة لإيران في المنطقة.
وفي نظر كثيرين في تل أبيب، فإن انفتاح الرياض على طهران يخلخل إستراتيجية “التحالف العربي الإسرائيلي”، الذي كانت إسرائيل تأمل في توسيعه ضمن اتفاقيات أبراهام.
تسعى السعودية اليوم إلى بناء علاقاتها الخارجية على أساس المصالح الوطنية، خاصة ان أمريكا لم تعد شريكا مضمونا، والصين تقدمت كوسيط نافذ، والحروب باتت عبئ اقتصادي وسياسي، غير مجدي.
