سجل في القائمة البريدية

Edit Template

كيف تضلل السوشيال ميديا الجمهور باسم الفن

تغريد سعادة

نعيش اليوم في عالم من التوهان الكبير؛ عالم تتوارى فيه الحقيقة ويبهت فيه النور. لم تعد الأمور كما كانت من قبل. صحيح أن محاولات إخفاء الحقائق والترويج لغير الحقيقة كانت موجودة دائما، لكن الفارق اليوم أن هناك حسما ممنهجا لصناعة “حقيقة ظاهرية” تبدو وكأنها الواقع، بينما هي في جوهرها مصطنعة.

مع صعود وسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد الرأي العام يتشكل بشكل عفوي كما كان، بل أصبح عرضة لحملات منظمة، قادرة على رفع شأن شخص ما وتقليل شأن آخر، عبر تعليقات مدفوعة وحسابات وهمية، في مشهد بات فاضحا ويكاد يكون كاريكاتوريا، كما نراه بوضوح في بعض الأعمال الدرامية نفسها.

وأنا أتابع التعليقات على بعض الأعمال الفنية، ألاحظ مفارقة لافتة، آراء حقيقية، صادرة عن بشر حقيقيين، تقابل بعشرات التعليقات التي تمجد العمل أو الفنانة المعنية بشكل مبالغ فيه. وعندما نتتبع هذه الصفحات، نجد أنها أنشئت حديثا، بلا صور أو تاريخ أو تفاعل حقيقي. كان هذا ما اختبرته بشكل شخصي باعمال مي عمر، والتي لاقت الكثير من الانتقاد وتحولت فجأة الى نجمة، ساعدها في ذلك دعم بعض النقاد الفرديين. ما يجري هنا ليس مجرد دعاية، بل جريمة بحق الحقيقة أولا، وبحق الجمهور ثانيا، لأن من حق الجمهور أن يقول كلمته دون توجيه أو تضليل.

ما يحدث حول فيلم الست مثال صارخ على ذلك. فقد وصلت التجاذبات إلى حد صادم بين فنانين وممثلين ومنتجين وحتى بعض النقاد، وبين جمهور يشكك في عظمة فيلم يقدم له باعتباره حدثا استثنائيا. الترويج المكثف ومحاولات فرض القناعة على الناس لن تغير رأي الشارع العريض، لأن الجمهور ببساطة لم يقتنع بأداء منى زكي، التي برأي كثيرين تفتقر إلى الرصانة والثقل والحضور، وهي صفات ارتبطت تاريخيا بشخصية مثل أم كلثوم، ولا يمكن تجاوزها بسهولة.

لم يعد مجديا اليوم فرض نجم أو ممثل على الجمهور رغما عنه. هذا الأسلوب جرب سابقا، كما حدث في تحت الوصاية، حيث وظف ثقل إعلامي هائل لإعادة الاعتبار لمني زكي كممثلة بعد الانتقاد اللاذع لها من قبل الجماهير، لكن النتيجة كانت واضحة، الجمهور لا يخدع طويلا. الفهم البسيط للمشهد يقول إن منى مقبولة لدى البعض، لكن لا يمكن وضعها في الصف الأول مهما اشتدت محاولات الترويج.

على العكس، تجربة فنانة مثل فاتن حمامة تؤكد هذه الحقيقة. رغم وجود منتقدين لها في فترات مختلفة، إلا أن الإجماع الشعبي، دون تدخلات معروفة أو حملات مصطنعة، رسخها كفنانة رصينة، صاحبة مشروع، وثقل فني حقيقي.

حالة غريبة عشناها في الأيام الماضية، وكأن عرض الست هو الحدث السينمائي الأول في التاريخ، تكشف حجم المبالغة والارتباك. وما تسرب من العمل أعطى الناس الحق الكامل في الحكم، وفي التعبير عن رأيهم بالممثلة التي أسند إليها دور البطولة.

نقطة نظام، حتى ما يقال عن الإقبال على شراء التذاكر يثير الشك. فلو كانت شركات الإنتاج حريصة فعلا على نقل الحقيقة، لأرتنا طوابير الناس وتهافتهم على العروض. في زمن الحجز الإلكتروني، لم يعد هذا صعبا. لكن ما يحدث هو العكس، ضبابية، وتضخيم، ومحاولات إيهام.

ما يحدث إساءة للفن قبل أن يكون إساءة للجمهور. لأن أساس الحكم هو الجمهور، لا السوشيال ميديا، ولا حملات الفنانين، ولا شركات الإنتاج. ومنذ زمن نعلم أن الأكثر شعبية هو من يتصدر شباك التذاكر. أما اليوم، وفي ظل خدمة الحجز “اون لاين” فثمة محاولات للالتفاف على الامر، وهي محاولة واضحة لإقصاء كلمة الناس.

لكن مهما حدث، سيظل الجمهور يقول كلمته. وهذا حق لا يخضع للوصاية.

Post Views17 Total Count

تصفح المواضيع

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Ethical Dimensions in the Digital Age

The Internet is becoming the town square for the global village of tomorrow.

الأكثر قراءة

هاشتاغ

عن زيتون نيوز

زيتون نيوز موقع اعلامي صادر عن مركز رام للدراسات العربية. مختص بالشؤون العربية في كندا، بالاضافة الى الاهتمام بأهم القضايا في الوطن العربي. وهو موقع مهني تشرف عليه الصحفية تغريد سعادة التي تعمل في الصحافة لما يزيد عن عقدين من الزمان.
يقع المكتب الرئيسي في مدينة ادمنتون / ألبرتا. ويعمل على تقديم تغطية شاملة، لكافة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعرب في كندا. 

آخر الأخبار

  • All Posts
  • About Us
  • English News
  • أخبار
  • تحقيقات
  • ثقافة
  • شؤون الجالية
  • شؤون عربية
  • لقاءات
  • مقالات
  • منوعات
    •   Back
    • About us
    •   Back
    • Art and Cinema
    • Interviews

أقسام

 Zaytoun News © 2024

error: Content is protected !!