سجل في القائمة البريدية

Edit Template

كيف نُعيد المقاومة إلى فعل تحرر شعبي جامع؟

تغريد سعادة

على مدى أكثر من سبعة عقود، شكلت المقاومة جوهر الهوية الوطنية الفلسطينية، وركيزة أساسية في معركة التحرر من الاحتلال. لكنها، في السنوات الأخيرة، باتت تواجه خطرا داخليا متزايدا: الاختزال الحزبي، حين تختزل المقاومة في فعل فصيل واحد وتستخدم كأداة للهيمنة، بدل أن تبقى وسيلة للتحرير الجماعي.

المقاومة الفلسطينية لم تكن يوما حكرا على فصيل أو أيديولوجيا. شاركت فيها القوى الوطنية والإسلامية، العلمانيون والمتدينون، النساء والشباب، أهل القرى والمدن والمخيمات. كانت مظلة جامعة لحلم الحرية وحق العودة. لكن منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة عام 2007، بدأنا نرى تحولا خطيرا: تقديم المقاومة كامتياز فصائلي، لا كمشروع وطني جامع.

الحروب المتكررة التي شهدها القطاع، وخاصة بعد السابع من أكتوبر 2023، أعادت طرح أسئلة جوهرية: ما الهدف من هذه المواجهات؟ وماذا تحقق بعد إعادة احتلال القطاع، وتشريد أهله، وقتل عشرات الآلاف، وتعريضهم للقهر والجوع والعطش؟ وماذا فعلت حماس منذ الانقسام عام 2007، وتفردها بالسلطة في غزة؟ وخطفها جنود الاحتلال لتكون مبررا في كل حرب على غزة.

رغم رفعها شعار “المقاومة الشاملة”، أصدرت حماس عام 2017 وثيقة سياسية أعلنت فيها قبولها بدولة فلسطينية على حدود 1967 دون الاعتراف بإسرائيل. ورغم أن هذا مثل تحولا في خطابها، إلا أنه جاء خارج مظلة الإجماع الوطني، ودون أي تنسيق مع منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. وبدل أن يشكل ذلك أرضية لتقارب وطني، كرس مزيدا من الانفصال السياسي والمؤسساتي.

ورغم محاولات حماس تقديم نفسها كقوة مقاومة “نيابة عن الشعب”، إلا أن الواقع الداخلي في غزة يظهر تململا شعبيا واضحا من حكمها، خاصة في ظل الحصار، الفقر، غياب الحريات، وتآكل الثقة بالعدالة والمساءلة.

بعد أكثر من 21 شهرا على الحرب في غزة، يجد الفلسطيني نفسه في مواجهة واقع كارثي: أكثر من 35 ألف شهيد، مئات آلاف الجرحى، ملايين النازحين، ودمار شامل. ورغم كل ذلك، لم تصدر عن حماس أي مراجعة سياسية جادة، أو محاسبة داخلية. وكأن التضحية الجماعية أصبحت قاعدة ثابتة لا تحتاج إلى تفسير أو مراجعة، فيما يروج لانتصارات لا يراها الناس في حياتهم اليومية، بل يشعرون بثقلها عليهم.

إن استعادة روح المقاومة الفلسطينية تتطلب وحدة وطنية حقيقية، تعيد الاعتبار للمشروع التحرري الجماعي، وتخرج المقاومة من قوالب الاستخدام الفصائلي إلى فضائها الطبيعي: فعل تحرر شعبي جامع.

المطلوب اليوم ليس تعدد البنادق، بل تعدد الأدوات تحت راية واحدة.
المطلوب ليس اختزال الوطن في سلطة أمر واقع، بل فتح أفق جديد للمقاومة، يقوم على الشراكة والكرامة والسيادة.

فقط بوحدة القرار والميدان، يمكن أن تستعيد المقاومة معناها النقي، وتستعيد فلسطين بوصلتها، ويستعيد الشعب ثقته بأنه يقاوم ليعيش، لا ليموت لتبقى حركة حماس.

Post Views59 Total Count

تصفح المواضيع

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Ethical Dimensions in the Digital Age

The Internet is becoming the town square for the global village of tomorrow.

الأكثر قراءة

هاشتاغ

عن زيتون نيوز

زيتون نيوز موقع اعلامي صادر عن مركز رام للدراسات العربية. مختص بالشؤون العربية في كندا، بالاضافة الى الاهتمام بأهم القضايا في الوطن العربي. وهو موقع مهني تشرف عليه الصحفية تغريد سعادة التي تعمل في الصحافة لما يزيد عن عقدين من الزمان.
يقع المكتب الرئيسي في مدينة ادمنتون / ألبرتا. ويعمل على تقديم تغطية شاملة، لكافة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعرب في كندا. 

آخر الأخبار

  • All Posts
  • About Us
  • English News
  • أخبار
  • تحقيقات
  • ثقافة
  • شؤون الجالية
  • شؤون عربية
  • لقاءات
  • مقالات
  • منوعات
    •   Back
    • About us

أقسام

 Zaytoun News © 2024

error: Content is protected !!