تغريد سعادة
شهد الشعب الفلسطيني خلال العامين الماضيين واحدة من أقسى الفترات في تاريخه الحديث بعد أحداث السابع من أكتوبر. ورغم أن إعلام حماس قدم هذا الحدث باعتباره “الإنجاز الأكبر” في تاريخ القضية، إلا أن الواقع والتاريخ يقولان شيئا آخر.
فالتاريخ الفلسطيني مليء بالعمليات النوعية داخل الخط الأخضر، وعمليات التسلل التي وثقها النضال الفلسطيني منذ عقود، وكلها تتجاوز ما حدث في ذلك اليوم.
بل إن عملية الطائرات الشراعية ليست اختراعا حمساويا؛ فقد نفذ أربعة مقاتلين من “القيادة العامة” هجوما بطائراتهم الشراعية على معسكر للاحتلال عام 1987. تجاهل هذا التاريخ، والإيحاء بأن حماس ما قامت به هو الاستثناء، يشوه إرث التنظيمات الفلسطينية التي قادت العمل الفدائي فيما كان الإخوان المسلمون يرفضون حتى المشاركة في التظاهرات.
ومع دخول الإعلام وتضخيمه لأدوار معينة، تحولت حركة لم يكن لها سجل تاريخي كبير في العمل العسكري إلى “قائد النضال” فجأة، دون قراءة للتاريخ الفلسطيني الذي مر بمراحل متعددة، وحقق إنجازات، وتجنب إخفاقات، بفضل عمل وطني منظم شاركت فيه فصائل منظمة التحرير الفلسطينية.
حتى اتفاق أوسلو، الذي يقدم اليوم كفراغ سياسي، حقق إنجازات ملموسة، لكنه لم يلب الطموح الشعبي الواسع في استعادة الأرض والحقوق.
التقلبات في خطاب حماس، بين الحديث عن دولة على حدود 67، ودعم المقاومة الشعبية، ثم التفرد بالكفاح المسلح حين يناسبها، تكشف سعيا لاحتكار القرار الفلسطيني لا لتحرير فلسطين. أما التعطيل الذي أحدثته في مسار أوسلو، ثم تسويق الاتفاق بأنه بلا جدوى، فيكشف تناقض سياسي مقصود.
ومع الربيع العربي، ظهرت بوضوح طبيعة المشروع الإخواني، وتجربة تنسيق الحركة مع الرئيس المصري الاخواني محمد مرسي كانت مثالا واضحا على الاتجاه الذي كانت ستسلكه في فلسطين. فكرة “الدولة الفلسطينية في سيناء” لم تكن اختلاق بل جزء من تصورات عابرة للحدود يؤمن بها التنظيم العالمي للإخوان. ولولا الاطاحة بحكم مرسي لوجدنا من حينها مشروع إخواني يهيمن على المنطقة، ويدخل فلسطين ضمن مشروعهم، لا ضمن مشروع التحرر الوطني. وحتى تحالفاتهم مع فصائل المقاومة في لبنان بقيت هشة ومحكومة بالمصلحة.
نحن كفلسطينيين نناضل من أجل فلسطين، من أجل أرضنا وكرامتنا وحقوقنا، وليس من أجل مشروع إخواني عابر للحدود.ولذلك من حقنا ان نقول أننا مع النضال لتحرير فلسطين، ولكننا لسنا مع حماس.
و آن الأوان للعقلاء أن يفصلوا بين فكرة المقاومة وحركة حماس. الحركة جاءت متأخرة، وعبثت بمسار القضية، وعمقت الانقسام الذي بدأته عام 2007، وظلت 19 عاما تعزل غزة عن الضفة بدعم من دول أرادت تمرير مشروعها الإخواني عبر بوابة فلسطين، ثم تتحدث الآن بعض قيادات حماس عن رفض “فصل الضفة عن غزة”!
من حق كل فلسطيني أن يكون مع المقاومة ومع فلسطين… دون أن يكون مع حماس.
