تغريد سعادة
في صباح السابع من مايو 2024، دخلت العلاقة بين مصر وإسرائيل منعطفا خطيرا بعد أن أعلنت قوات الاحتلال الإسرائيلي سيطرتها الكاملة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، عقب اجتياحها لمدينة رفح جنوب قطاع غزة.
هذه الخطوة أحادية الجانب أعادت إلى الواجهة أشد أزمات الثقة والتنسيق الأمني بين القاهرة وتل أبيب منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد قبل أكثر من أربعة عقود.
أثار التصرف الإسرائيلي غضب مصر، حيث اعتبرت القاهرة أن وجود الجيش الإسرائيلي على بوابة المعبر يشكل انتهاكا لسيادة الفلسطينيين، وتجاوزا لدورها كوسيط معتمد في ملف المساعدات والتهدئة.
ورغم الضغوط الدولية والعربية، رفضت مصر إعادة فتح المعبر من جهتها، مؤكدة أنها لن تشارك في إدارة معبر يخضع للسيطرة العسكرية الإسرائيلية، ويستخدم أداة لفرض الحصار وتجويع السكان.
أدى إغلاق المعبر إلى شلل شبه كامل في دخول المساعدات الإنسانية والطبية إلى غزة، ما تسبب في تفاقم الأزمة الإنسانية لسكان القطاع، لا سيما النازحين والجرحى والمصابين بأمراض مزمنة.
وفيما حملت إسرائيل مصر مسؤولية تأخير المساعدات، ردت القاهرة باتهام تل أبيب بمحاولة فرض وقائع جديدة على الأرض، وتحويل غزة إلى سجن مفتوح بلا بوابة سيادية للفلسطينيين.
لم تكن الخطوة الإسرائيلية مجرد إجراء عسكري، بل حملت رسائل سياسية واضحة إلى مصر، تقليص دورها التاريخي كوسيط بين حماس وإسرائيل. بالاضافة الى اختبار رد فعلها الإقليمي في ظل تقاربها الأخير مع روسيا وإيران. والضغط عليها للقبول بخطط تهجير أو إعادة توطين سكان غزة. كما ان هذا يعتبر تهديد ضمني لاتفاقية المعابر الموقعة عام 2005 والتي تنص على عدم وجود إسرائيلي مباشر في المعبر.
وفي المقابل، جاءت ردود الفعل المصرية حازمة وغير معهودة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك تشديد الرقابة العسكرية في سيناء، وتعليق الاتصالات المباشرة مع الجانب الإسرائيلي في ملف المعبر.
لم يعد معبر رفح مجرد نقطة عبور، بل بات رمزا للصراع على السيادة والتحكم بالقرار الفلسطيني.
وبينما تصر مصر على عدم الرضوخ لإملاءات إسرائيل، تسعى تل أبيب لتثبيت نفسها كـ”مرجعية أمنية مطلقة” على القطاع، حتى لو كان الثمن تخريب علاقاتها مع أهم شريك إقليمي لها منذ عقود.
تحدثت صحف إسرائيلية عن قلق متزايد من الحشود العسكرية المصرية في سيناء، وقالت إن بعضها يخالف الملحق الأمني لاتفاقية كامب ديفيد. والقاهرة تبرر التعزيزات الأمنية بأنها لمكافحة الإرهاب. كما انها ترفض أي رقابة إسرائيلية على سيادتها في سيناء، ما يزيد من حدة التوتر الدبلوماسي.
وفي حال استمرار إسرائيل بسياسات الفرض بالقوة، فإن اتفاقية كامب ديفيد نفسها قد تدخل مرحلة اهتزاز سياسي غير مسبوق، ويبدو أن القاهرة بدأت تفكر بجدية في مستقبل العلاقة وحدودها، لا سيما إذا باتت تكلفة الالتزام بها أكبر من مكاسبها.
