تغريد سعادة
في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها غزة عقب إعلان حركة حماس تجاوبها مع خطة ترامب والامل بايقاف الحرب الشرسة عليها بعد عامين، تحدث الناطق باسم حركة فتح في غزة، منذر الحايك، في حوار خاص مع “زيتون نيوز”، عن رؤية حركة فتح للمرحلة المقبلة، وموقفها من خطوة حماس، وتصورها لدور السلطة الفلسطينية في إدارة القطاع، إضافة إلى مستقبل الأمن الداخلي، والمصالحة الوطنية، وإعادة إعمار غزة بعد عشرين عاما من الانقسام والمعاناة.
وأكد الحايك أن “وقف الحرب ونزيف الدم هو الأولوية القصوى”، مشيرا إلى أن “السلطة الوطنية الفلسطينية ستكون حاضرة في قطاع غزة ولن تغيب عنه”، وداعيا إلى “وحدة القرار والجغرافيا الفلسطينية، ومرحلة جديدة عنوانها إعادة البناء وتوحيد المؤسسات”. وكان اللقاء التالي:
حماس أبدت تجاوبا مع خطة ترامب وتسليم الأمر للسلطة الفلسطينية بحجة حماية الشعب الفلسطيني. كيف ترى حركة فتح هذا التجاوب، وهل تعتبره خطوة إيجابية؟
منذ زمن ونحن نرسل رسائل لحركة حماس بضرورة قبول المقترحات السابقة لتفادي نزيف الدم ووقف المقتلة وأهوال يوم القيامة، لأن الظروف كانت صعبة جدا، والوضع الميداني أكثر صعوبة. لكننا نرى في هذه المرحلة الحساسة، التي أراد فيها نتنياهو حصار مدينة غزة وتدمير البيوت والمؤسسات وإجبار المواطنين على النزوح، أن هذه الخطوة، وإن جاءت متأخرة جدًا، تعد خطوة إيجابية. الأولوية كانت دائما وقف الحرب، والآن نتمنى أن تكون الساعات القليلة القادمة قد شهدت توقفا فعليا للحرب وللصواريخ والطائرات المسيرة التي تتفجر في كل مكان، خاصة أن مدينة غزة تعيش حالة حصار قاسية، ونتنياهو ووزير دفاعه وترامب جميعهم توعدوا بفتح جهنم على غزة إذا لم يتم قبول المقترح. لكن الأمور بدأت تتجه نحو الإيجابية، ونتمنى أن يستمر هذا المسار حتى تتوقف الحرب بشكل كامل وتبدأ مرحلة الإغاثة والإعمار.
فتح: نريد مسارا سياسيا واضحا يقود إلى الدولة الفلسطينية
إلى أين تتوقع حركة فتح أن تتجه الأمور في المرحلة القادمة على صعيد غزة، سواء سياسيا أو أمنيا؟
نتمنى أن يكون هناك مسار سياسي واضح يفضي إلى الإقرار بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس. أما بالنسبة للوضع الأمني، فنحن نطالب بأن تكون السلطة الوطنية الفلسطينية وقوات الأمن الوطني هي التي تنتشر في قطاع غزة للحفاظ على أمن المواطنين وممتلكاتهم. ندرك أن البداية ستكون صعبة، لكننا مصممون على أن تكون السلطة الوطنية الفلسطينية هي المرجعية الوحيدة. نحن نسعى لتوحيد الجغرافيا الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، باعتبارهما أراضي دولة فلسطين وعاصمتها القدس. والكيان السياسي الفلسطيني يتمثل بالسلطة الوطنية في الداخل، ومنظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
لا ثقة بالاحتلال لكن وقف الحرب أولوية
هل تتوقعون التزام الجانب الإسرائيلي بما تم الاتفاق عليه ضمن خطة ترامب، أم أن هناك مخاطر لعدم الالتزام؟
نحن لا نثق بالاحتلال. فقد اعتاد في كل الحروب السابقة على خرق الهدن. ندرك أن الاحتلال سيخرق الهدنة ووقف إطلاق النار، لكننا نراهن على قوة الرئيس ترامب وتأثيره على رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وهو الذي قال ذات مرة للطائرات الإسرائيلية أن تعود من سماء طهران وقد عادت. وقد قال ليلة أمس إن الحرب على غزة يجب أن تتوقف، وصدر بيان من نتنياهو بوقف الحرب أو على الأقل تجميد اجتياح مدينة غزة، وهذا ما كان يخيفنا، لأن اجتياح المدينة يعني تدميرها بالكامل.
نحن لا نثق بالإسرائيليين، لكن ما يهمنا الآن هو وقف الحرب ونزيف الدم، ليعود المواطن الفلسطيني لترتيب حياته بعد كل هذه التضحيات. كانت أولويتنا دائما وقف الحرب والمقتلة التي طالت جميع الفلسطينيين وقتلت الأطفال والنساء والشيوخ. سياسيا، نحن نؤمن أن الشعب الفلسطيني هو من سيقود المرحلة القادمة عبر انتخابات حرة كما تحدث الرئيس أبو مازن، وذلك بعد عام من وقف الحرب، ليختار الشعب قيادته المستقبلية دون إملاءات خارجية. كنا نقول دائما لحماس إنه كان من المفترض أن تعلن منذ البداية أنه لا مكان لأي لجنة إدارية أو إسناد في غزة، وأن السلطة الوطنية هي من تملأ الفراغ. لكن المماطلة أضرت بالشعب الفلسطيني. أما أمنيا، فنريد انتشار قوات الأمن الوطني الفلسطينية لحفظ الأمن والنظام العام، وعودة القضاء الفلسطيني، وتوحيد الجغرافيا. كل ذلك يأتي بعد وقف الحرب وبدء الإغاثة والإعمار بدعم عربي وأوروبي.
فتح ستكون في صدارة المشهد
ما الدور الذي يمكن أن تلعبه حركة فتح والمنظمات الفلسطينية والعربية والدولية والمجتمع المدني في دعم استقرار غزة وحماية حقوق المواطنين في المرحلة المقبلة؟
حركة فتح ستكون داعمة للسلطة الوطنية الفلسطينية وللجنة التي ستشكل لإدارة قطاع غزة، وستعمل على المساعدة في إعادة الإعمار والإغاثة وتنظيم الأوضاع. موقف فتح في هذه المرحلة أساسي، فهي تتجهز لتوحيد النظام السياسي الفلسطيني وتوحيد الأحزاب والقرار الفلسطيني المستقل، خاصة بعد أن مررنا بمرحلة صعبة كان فيها القرار الفلسطيني مرتهنا لبعض الدول، وكانت النتيجة دمار غزة. فتح صاحبة المشروع الوطني، وهي التي أسست مؤسسات الدولة الفلسطينية جنبًا إلى جنب مع الفصائل. في المرحلة القادمة ستكون فتح في صدارة المشهد دفاعا عن المشروع الوطني وحقوق المواطنين.
والشعب الفلسطيني نفسه، كما نسمع من المواطنين، يرغب بعودة السلطة وفتح إلى غزة بعد أن غابت عن الحكم بالانقلاب، لكنها لم تغب يوما عن دعم المواطنين من خلال السلطة في مجالات الصحة والتعليم والزراعة، ودفع الرواتب والعلاج بالخارج.
حماس استخدمت لغة القوة ونحتاج إلى سنوات لترميم النسيج الاجتماعي
حصلت مؤخرا حوادث قتل نفذتها حماس بحق متهمين بالعمالة دون محاكمة، وحدثت صدامات مع عائلات. هل تتوقعون أن يكون مصير غزة الفوضى في ظل هذه الحوادث؟
نحن نرفض بشكل قاطع إعدامات حركة حماس للمواطنين، ونرفض كل أشكال الإعدام خارج إطار القضاء. فهناك قانون وقضاء، وكان من المفترض، سابقا وحاليا، أن يتم التعامل مع من ارتكبوا أخطاء وفق الأطر القانونية، حتى في ظل الحرب وتعطل المؤسسات. لا يمكن القبول بأن تستبدل العدالة بالقوة، أو أن يترك المجال لتطبيق “قانون الغاب”. إن مشاهد الإعدامات التي تبث عبر الإعلام تعطي انطباعا سلبيا جدا للمجتمع الدولي، وتخدم الرواية الإسرائيلية التي تسعى إلى تصوير الشعب الفلسطيني على أنه لا يستحق الدولة، وأنه شعب عنيف أو إرهابي. للأسف، نجحت الدعاية الصهيونية في استغلال مثل هذه المشاهد لتعزيز صورتها أمام الغرب. نحن نؤكد أن سياسات الإعدام التي مارستها حركة حماس لا تمت للتقاليد الفلسطينية بصلة. كان من الواجب الاحتكام إلى المحاكم والقوانين لمعاقبة كل من يخطئ، سواء في أوقات الحرب أو السلم. حتى لو تعطلت مؤسسات القضاء، فإن ذلك لا يمنح أي جهة الحق في تنفيذ الإعدامات الميدانية كما حدث في بعض المناطق، ومنها ما جرى أمام مستشفى الشفاء. إن ما حدث مرفوض تماما. فالشباب الذين يخطئون يجب أن يحاسبوا وفق القانون والنظام، لا بطريقة علنية أمام وسائل الإعلام والعالم، لأن مثل هذه المشاهد تسجّل ضد الشعب الفلسطيني وتسيء إلى نضاله وصورته أمام العالم.
الظواهر المسلحة مرفوضة وسيفرض النظام عبر السلطة
ما هو مصير الحركات المسلحة مثل “أبو شباب”؟ وكيف سيتم التعامل معها؟
حصلت مؤخرا حوادث قتل نفذتها حماس بحق متهمين بالعمالة دون محاكمة، وحدثت صدامات مع عائلات. هل تتوقعون أن يكون مصير غزة الفوضى في ظل هذه الحوادث؟
ما حدث هو نتيجة طبيعية للحرب. فقد نشأت عصابات مسلحة في ظل الاحتلال واستخدمت الفوضى للسيطرة على مناطق محددة، وكانت محمية أحيانًا بالمسيرات والطائرات الإسرائيلية. هذه العصابات لن يكون لها مستقبل في غزة. لكن للأسف، حركة حماس لم تتعامل مع المواطنين بلغة الشراكة أو الوطنية، بل بلغة القوة والسلاح، ما أدى إلى نتائج سلبية.
الصدامات مع العائلات الكبيرة كانت نتيجة لاستخدام القوة المفرطة ضد المواطنين، ما خلق أحقادا وثارات عائلية نحتاج إلى سنوات لمعالجتها حتى لا تتجدد الفتن. نريد تمكين النسيج الاجتماعي ومنع أي حرب أهلية داخلية بين العائلات أو التنظيمات. ما حدث نقطة سوداء في تاريخ الشعب الفلسطيني منذ الانقلاب حتى اليوم، ونتمنى أن تنجح فتح في وأد الفتنة وتعزيز الوحدة الوطنية.
السلطة لن تغيب عن غزة
هل لديكم تصور لدور فتح في اليوم التالي؟ وهل ستغيب السلطة كما تم تداوله لحين إجراء إصلاحات؟
ليس تصورا فحسب، بل خطة واضحة لحركة فتح، استندت إلى خطة السلطة الوطنية وأصبحت خطة عربية تبنتها القمة الإسلامية. السلطة الوطنية لن تغيب عن غزة بأي شكل، ولن نسمح بذلك. ستبقى السلطة هي التي تحكم القطاع كما تحكم الضفة الغربية. الإصلاحات التي يجري الحديث عنها لن تكون على حساب الثوابت الفلسطينية، وتشمل تعديلا في بعض المناهج الفلسطينية وملف رواتب الشهداء والأسرى، وقد بدأ العمل على حلول لها. السلطة ستبقى في القطاع، ونحن نؤكد أن هذه مرحلة انتقالية نحو تولي السلطة الفلسطينية المسؤولية الكاملة. السلطة الوطنية هي التي أسست قواعد الدولة الفلسطينية وستوحد الجغرافيا الفلسطينية بين الضفة وغزة، وهي النظام السياسي الفلسطيني المعترف به دوليا.
الحوار الوطني ضرورة
في ظل كل هذا، كيف ترون آفاق غزة بعد عشرين عاما من حكم حماس؟ وهل ترون للحوار الوطني جدوى في هذه المرحلة؟
عشت شخصيا كل فترات حكم حماس والحروب السابقة، وأرى أن حكمها كان سلبيا على المواطنين والنظامين القضائي والسياسي، وأضر بالقرار الفلسطيني المستقل.
الآن مطلوب من حماس أن تراجع نفسها وتخرج من المشهد الحكومي، وأن تتراجع عن سياساتها السابقة. لقد تعاملت مع أبناء فتح بقسوة واعتقلت الكثيرين، ومع ذلك نحن مستعدون لفتح صفحة جديدة.
عشرون عاما من حكم حماس كانت نتيجتها دمار غزة وغياب القرار الوطني الحكيم. نحن بحاجة إلى حوار وطني جاد في هذه المرحلة، ونحن في فتح قادرون على ترميم التصدعات التي خلفها الانقسام منذ عام 2007، لأن فتح حركة وطنية تنحاز دوما للمصلحة العليا للشعب الفلسطيني وتضع المصلحة الحزبية جانبا. لكن على حماس أن تسمع صوت العقل، وأن تدرك أن حروبها المتكررة لم تحقق أي إنجاز وطني حقيقي، لا في القدس ولا في الأقصى. وعليها أن تنضم إلى منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وأن تلتزم ببرنامجها وبالشرعية الدولية حتى نستطيع مخاطبة العالم ومواصلة كفاحنا المشروع.
حماس جزء من الشعب لكنها مطالبة بتغيير النهج
كيف سيتم التعامل مع حماس بعد تعهدها بترك الحكم وتسليم بعض سلاحها كما اعلنت، خاصة في ظل الإجماع العربي والدولي على هذا الشرط؟
حماس تبقى جزءا من الشعب الفلسطيني ونسيجه الاجتماعي، ونحن في حركة فتح لا نرغب بخروجها من القطاع، فهي من أبناء هذا الشعب. لكن عليها أن تسمع الصوت الوطني وتلتزم بالقانون والنظام العام، وأن تغير من طريقة تعاملها مع المواطنين والأحزاب الفلسطينية. يجب أن تتخلى عن التفرد بالقرار وأن تؤمن بأن القرار الفلسطيني يجب أن يتخذ بالإجماع. لقد عانى شعبنا من كوارث ودمار وجوع بسبب قرارات فردية أدت إلى مئات آلاف الشهداء والجرحى والأسرى. القطاع دمر بالكامل، من رفح إلى بيت حانون وبيت لاهيا والشجاعية والتفاح، ولو استمرت الحرب لتدمرت مدينة غزة كلها. على حركة حماس أن تدرك أنها جزء من هذا الشعب، ولكن عليها الالتزام ببرنامج منظمة التحرير الفلسطينية المعترف بها دوليا، فهي التي تحدد قرار السلم والحرب ومتى تبدأ عملية السلام أو المقاومة، حتى لا نعود إلى مرحلة الدمار التي عاشها شعبنا.
إذا توقفت الحرب وفتحت الحدود، ماذا ستفعل أولا؟
أتمنى أن أتمكن أولا من أداء العمرة، ثم زيارة مصر إن شاء الله.
هل تفكر بالهجرة من غزة بعد كل ما حدث؟
لا يمكنني أن أترك غزة، ففيها قبر ابنتي وإخوتي، وخلال الحرب فقدت ستين شهيدا من عائلتي. كيف أغادرهم؟ هم جزء من روحي وذاكرتي. سنبقى هنا، ونقول دائما الحمد لله على كل حال.
