سجل في القائمة البريدية

Edit Template

نتعلم من التاريخ أن أحداً لم يتعلم من التاريخ

جميل عبد الغني

قرأت أن هذه الجملة منسوبة لهيجل، لكن أياً كان قائلها فهي بكل أسف جملة تبدو في غاية الدقة، رغم أن عُبّاد التاريخ يزعمون أن من لم يفهم تاريخه لا يفهم واقعه، بينما الحقيقة أنهم آخر من يتعلم من التاريخ، وكل ما يفعلونه هو مجرد محاولة إعادة أحداث التاريخ كما هي، حرفاً حرفاً، ومشهداً مشهداً، دون أي اعتبار لمعطياته الزمانية والمكانية، ومعطيات لحظة محاولة استنساخه.

ما يهمني هي الجملة المنسوبة لهيجل، أن لا أحد يتعلم من التاريخ، حتى القريب منه، لذا تتكرر أخطاؤنا، وتتواصل انهياراتنا.

في حالتنا الفلسطينية هناك تاريخ قريب لا زالت شخوصه حية بيننا، ومع ذلك أصرّت جهات أخرى على عدم الاستفادة منه في صراعنا مع إسرائيل انطلقت حركات تحرر أهمها حركة فتح قبل احتلال ما تبقى من فلسطين عام 1967، ليس لتحرير ما لم يكن محتلاً بعد، إنما لتحرير الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1948، وأعلنت الكفاح المسلح كوسيلة وحيدة لتحرير فلسطين، لكنها سرعان ما ووجهت بحقائق الواقع، أو إن شئت مسلمات اللحظة المعاصرة، وهي ما اختصرتها في مقالات سابقة بثلاث مسلمات رئيسية:

1. لا يمكننا كفلسطينيين هزيمة إسرائيل عسكرياً والقضاء عليها بقوانا الذاتية وحدنا.

2. لا توجد أي قوة عربية، أو إسلامية جاهزة، أو قادرة، أو ربما راغبة في مساعدتنا على تحقيق هذا الهدف.

3. حتى وإن توفرت لنا القوة والحلفاء فلن يسمح لنا العالم في اللحظة الراهنة بتحقيق هذا الهدف، وسيدافع عن إسرائيل التي لا يزال يعتبرها رأس حربة متقدمة للدفاع عن مصالحه.

اكتشفت فصائل الثورة الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح هذه الحقيقة، ولأنها- أي فتح تحديداً- لم تُقيّد عقلها السياسي بنصوص أيدلوجية مقدسة تحول بينها وبين التعامل مع الواقع كما هو، وليس كما تقدمه لها النصوص الأيدولوجية المتحجرة، ذهبت في اتجاه إنقاذ ما يمكن إنقاذه، مستفيدة من القرارات الدولية التي نصّت عليها الشرعية الدولية، خاصة وأنها أدركت أن هدف تدمير إسرائيل لم يعد هدفاً واقعياً ممكناً الآن، وأن هدر طاقة شعبها في سبيل تحقيق هدف مستحيل التحقق أكبر بكثير من الخيانة، التي قد تجلب أخطاراً أقل بكثير من إقحام الشعب في معارك محسومة الخسارة.

وافقت حركة فتح، ومعها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية على ما أسمته في حينه الحل المرحلي، المتمثل في القبول بدولة على حدود 1967، لم تكن هذه الموافقة تفريطاً ب 78% من مساحة فلسطين التي احتلتها إسرائيل عام 1948، كما يحلو للمزايدين اتهام فتح ومنظمة التحرير، حيث لم تكن هذه الـ 78% في أيدي المنظمة وتنازلت عنها طوعاً لصالح إسرائيل، كانت هي الجزء المقام عليه ما تسمى إسرائيل، والتي لن يسمح العالم بإزالتها عنه، بعد أن اعترف بشرعية وجودها فيه، وكان شرطه لدعم حقنا فيما تبقى من فلسطين هو اعترافنا بواقع وجود إسرائيل في هذه المساحة من فلسطين لم تكن المسألة اختيارية، ولا تفريطاً، ولا تبرعاً مجانياً، كانت واقعاً لا يستطيع الفلسطينيون تغييره في اللحظة الراهنة على الأقل، فذهبوا مرغمين لإنقاذ ما تبقى من فلسطين، أو على الأقل لإنقاذ الوجود الفلسطيني في فلسطين، وهو المسألة الأهم الآن، خاصة في مرحلة الضعف، وانعدام الحلفاء الأقوياء، القادرين والجاهزين لمساعدتنا على استعادة كل الحق الفلسطيني، المتمثل في كل فلسطين، أرض تاريخنا، وآبائنا، وأجدادنا، قبل حتى أن تدب أقدام سيدنا إبراهيم عليه السلام أرض فلسطين- مرة أخرى، وكما أحب أن أكرر دائماً عند ذكر هذه المسألة: إن صحت الرواية التوراتية المشكوك في صحتها أصلاً، والتي تزعم دخول إبراهيم عليه السلام إليها- الذي يزعم اليهود انتسابهم إليه، أو أنهم من صلبه.

الحق الفلسطيني هو في كل فلسطين، وهذا الحق لن يسقط بالتقادم، ولا بكل محاولات تزوير التاريخ، لكن هناك دائماً مسافة بين الحق والممكن، ومن الغباء أن تترك الممكن، في سبيل الزعم في محاولة الحصول على كل الحق غير الممكن ذهبت منظمة التحرير في اتجاه الممكن، أو كما قلت قبل قليل على الأقل في اتجاه منع اقتلاع ما تبقى من الشعب الفلسطيني من كل فلسطين، حيث يمثل هذا الوجود الأمل الوحيد في الحفاظ على فلسطين من جهة، وفي إفشال جوهر المشروع الصهيوني المتمثل في اقتلاع كل الفلسطينيين” أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض” على حد زعم حركة الإرهاب العالمي الصهيونية، من جهة ثانية.

هذا هو جوهر تاريخنا الحديث، الماثل بين أيدينا، والذي عاصرنا كل شخوصه الذين قادوا بداياته وتحولاته، لكن هل استفدنا من تاريخنا حتى المعاصر منه؟

قررت حركة حماس، ومن قبلها بالمناسبة حركة الجهاد، ألا تعترفا بالتجربة الفلسطينية السابقة لهما، والمعاصرة لهما، ورفضتا مجرد الاستماع لمسببات الانزياحات المفروضة على المنظمة، لم يكن هذا الرفض سوى تعبير عن استجابات أيدلوجية، حاصرت بها الحركتان نفسيهما، فحالت بينهما وبين رؤية الحقائق، ومعطيات الواقع، ولأن هذه الاستجابات الأيدولوجية ذات طابع ديني مقدس- رغم أنها ليست أكثر من مجرد فهم للنص المقدس، وليست ذات النص- لم تستطع الحركتان إلا مجاراة الأيدولوجيا المؤسسة، وإلا فإن مبرر وجودهما لم يعد قائماً، فرفضتا فهم التجربة الفلسطينية، ورفضتا الاستفادة من التاريخ القريب، رغم أنهما تزعمان انتسابهما لتاريخ غارق في القدم، تدعيان العمل على إحيائه، والاستفادة منه.

ماذا أنجزت تجربة حماس، وملحقاتها؟

قبل نكبة السابع من أكتوبر كان شرح النتائج أكثر تعقيداً، الآن النتائج بادية للعيان، وهذا هو بالضبط معنى الإصرار على هدر طاقة شعبك في سبيل هدف مستحيل التحقق. الآن وبعد فوات الأوان تحدثنا حماس عن قبولها بحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران لعام 1967، رغم أنها لم تتنازل بعد عن خطابها التخويني تجاه الجهات التي سبقتها في قبول ما تقبله الآن، ولا يزال خطابها الداخلي، والخارجي الموجه للشعوب العربية المغيبة يتحدث عن خيانة التفريط ب 78% من فلسطين، ولا أعرف في الحقيقة أي قدرة هذه التي تمتلكها حماس، والتي تمكنها من الجمع بين نقيضين، الأول قبول دولة في حدود 67، والثاني تخوين ما تسميه بالتفريط ب 78% من أرض فلسطين!!!

حقاً: نتعلم من التاريخ أن أحداً لم يتعلم من التاريخ.

Post Views76 Total Count

تصفح المواضيع

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Ethical Dimensions in the Digital Age

The Internet is becoming the town square for the global village of tomorrow.

الأكثر قراءة

هاشتاغ

عن زيتون نيوز

زيتون نيوز موقع اعلامي صادر عن مركز رام للدراسات العربية. مختص بالشؤون العربية في كندا، بالاضافة الى الاهتمام بأهم القضايا في الوطن العربي. وهو موقع مهني تشرف عليه الصحفية تغريد سعادة التي تعمل في الصحافة لما يزيد عن عقدين من الزمان.
يقع المكتب الرئيسي في مدينة ادمنتون / ألبرتا. ويعمل على تقديم تغطية شاملة، لكافة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعرب في كندا. 

آخر الأخبار

  • All Posts
  • About Us
  • English News
  • أخبار
  • تحقيقات
  • ثقافة
  • شؤون الجالية
  • شؤون عربية
  • لقاءات
  • مقالات
  • منوعات
    •   Back
    • About us
    •   Back
    • Art and Cinema
    • Interviews

أقسام

 Zaytoun News © 2024

error: Content is protected !!