أوري مسجاف
أنظري أيتها الأرض، لقد كنّا مُسرِفين جدًا. ها هي جثثنا ملقاة، في طابور طويل طويل. وها قد قُتل أربعة آخرون من خيرة أبنائنا صباح يوم الجمعة في “ممرّ نتساريم”. أربعة عوالم أخرى تدمّرت. هنالك ممرّ في المنزل. في نتساريم هنالك محور يقسّم قطاع غزة إلى قسمين وجنود يحرسونه، مثل البطّ في مرمى الرماية.
في الصباح الذي سقط فيه قتلى نتساريم، جرت في أشكلون مراسم دفن أوري أشكنازي نحاميا، الذي قُتل قبل ذلك بيوم واحد. كان في الـ 19 من عمره. خلال جنازته، قرأ شقيقه رسالة كان قد تركها لتُقرَأ في حال وفاته. وصلنا إلى وضع يكتب فيه أولاد في التاسعة عشرة من العمر وصاياهم، ويتم اعتبار هذا الأمر جزءًا طبيعيًا من الحياة. وقبله، في الأسبوع ذاته، جرى دفن شاحر بن نون، أيضًا، الذي قُتل في خانيونس. وقبله، محمود عمريّة، الذي قُتل في الجليل الغربي. وقبلهم، دُفن أيضًا يوتام يتسحاق بيلد ومردخاي يوسف بن شوعَم اللذان سقطا، هما أيضًا، في نتساريم.
وتيرة مرتفعة من القتلى، وهم يموتون هباءً. لم تقرر إسرائيل بعدُ ما هي أهداف هذه الحرب. الأهداف والوسائل تتغير مع الوقت، لضمان بقاء حُكم نتنياهو. هذا هو الهدف الحقيقي الوحيد. لا محور فلادلفيا ولا نتساريم، لا تدمير حماس ولا عودة السكان.
نحن نسير مثل قطيع خِراف إلى الذبح. حكومة نتنياهو تقتل الجنود والمخطوفين. وسكان قطاع غزة كذلك، بالطبع. 40 ألفًا حتى الآن، معظمهم ليسوا مسلحين. نحن خانعون جدًا، مؤدبون، مطيعون. ليست هنالك دعوة واضحة لوقف هذه الحرب الملعونة التي تُضحّي، بكل بساطة، بأبنائنا الشباب وتدمّر إسرائيل ومصيرها ومستقبلها. حملة الاحتجاج تتشبث بالمخطوفين. هذا مفهوم، طبيعي وأخلاقيّ. لكنه مريح بعض الشيء، أيضًا. ولنفترض، لغرض النقاش فحسب، أن المخطوفين قد عادوا. هل سيكون من المنطقي، عندئذ، مواصلة إغراق أنفسنا والغزّيّين في الثكل، الدماء والدمار؟ في غضون ذلك، تعوّدنا أيضًا على عمليات “إنقاذ” مخطوفين موتى. أي جنون هذا هو تعريض الجنود الأحياء للخطر من أجل إعادة أكياس الجثث. عالم مقلوب، تقديس الموت وفقدان قيمة الحياة.
لقد أصبح واضحًا، منذ وقت طويل، أن هذه الحرب هي الأسوأ والأغبى على الإطلاق في تاريخ إسرائيل. لا غاية، لا هدف، لا أفق ولا إجماع. وانظروا المفاجأة: لا رفض، أيضًا. لا معارضة. لا بين الجمهور، لا في وسائل الإعلام ولا في الجيش. ليس هنالك إيلي جيبع ولا عمرام متسناع ولا “أربع أمهات”. هنالك حركة لأمهات جنود تسمى “أمّ يقظة” تطالب بإجراء مناقشة في المجلس الوزاري المصغر حول أهداف الحرب، كما تطالب بتجنيد الحريديم في الجيش أيضًا. هذا هو الحد الأقصى الذي يمكن اعتباره شرعيًا في إسرائيل اليوم.
رئيس تحرير “هآرتس”، ألوف بن، أوضح هنا أن ثمة لدى نتنياهو، الحازم والذي يجري حسابات دقيقة، هدفًا واضحًا هو: احتلال قطاع غزة والاستيطان فيه (“هآرتس”، 21.8). لكنني أختلف معه: ثمة لدى نتنياهو إيديولوجية واحدة وحيدة: جرجرة الوقت والتسويف للبقاء في الحكم. والواقع أن مقاعد الكنيست تعود إليه في ظل غياب بديل حقيقي يدعو إلى وقف الحرب والتوصل إلى تسوية سياسية في الجنوب وفي الشمال. في الحلبة السياسية ـ الحزبية، كما من الأذرع الأمنية أيضًا. وبالمناسبة، حتى لو كان هذا غير مُجدٍ من الناحية الانتخابية، إلا أنه لا يزال الأمر الصحيح الذي ينبغي القيام به. القيادية الحقيقية، التشرتشلية والبن غوريونية والرابينية، تأخذ في الحسبان ما يحتاج إليه الشعب وليس ما يريده الشعب.
وهذا ما صرخت به إيلانيت، والدة ضابط سلاح المظليين شاحر بن نون المحطَّمة فوق قبره: “أنا أريد أن أعيش. ماذا أعطانا الله ـ سبعين سنة لنعيش، ثمانين، مائة؟ دعونا نعيش، إذًا. لا أحد يريد استقبال ابنه في تابوت. لا أحد”. لم يكن الجميع محظوظين بتربية ابن شاب يتمتع بصحة جيدة في ميامي. كفى للتضحية بأبناء إسرائيل قرابين من أجل نتنياهو الـ “مولوخ” (إله كنعاني قديم).
عن هارتس