سجل في القائمة البريدية

Edit Template

وليد الخالدي: قرن في الغربة وذاكرة فلسطين النشطة

جميل الاحمد

ولد المؤرخ الفلسطيني الأستاذ وليد الخالدي في القدس في مثل هذا اليوم في مدينة القدس وما زال يعمل في مكتبه وفي جعبته سجل من الدراسات حول فلسطين قبل وبعد نكبتها المزاوجة بين المصادر المكتوبة والرواية الشفوية الفلسطينية، وبمناسبة مائة عام على ميلاده نشرت مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت ملحقا خاصا غنيا حول نتاجاته وأدواره البحثية. الخالدي المنتمي لـ عائلة عريقة في القدس،تعلّم في مدارسها قبل أن يتخرج من جامعة أوكسفورد في 1951،عمل محاضراً في الدراسات السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت وفي مركز هارفارد للشؤون الدولية ومحاضرا في جامعة برنستون وجامعة أوكسفورد، وهو زميل في الأكاديمية الأمريكية للآداب والعلوم. الخالدي عضو مؤسس في مؤسسة الدراسات الفلسطينية وأمين سرها منذ تأسيسها سنة 1963، ومنذ سنة 2016 اختاره مجلس الأمناء بالإجماع رئيساً فخرياً لها وما زال يساهم في كتاباتها رغم بلوغه المائة عام. وبهذه المناسبة،عيد ميلاده المائة المصادف اليوم، أصدرت مؤسسّة الدر اسات الفلسطينية ملحقا خاصا بمشاركة 22 من الباحثين والمؤرخين الفلسطينيين والعرب ومعهم المؤرخ الإسرائيلي المعادي للصهيونية بروفيسور ايلان بابيه. تحت عنوان “فرادة وليد الخالدي” يفتتح رئيس مجلس أُمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية، نائب رئيس الحكومة اللبنانية، طارق متري، الملحقَ بالكتابة: “يحرص (الخالدي) على التمييز بين التفكّر الصبور والشجاعة في الموقف حيناً، والتأليف بينهما حيناً آخر. ومن هؤلاء الباحثين المشاركين في الملحق الخاص فيليب مطر، وليد خدوري، بول سابا، إيلان بابِهْ، نديم روحانا، عادل منّاع، محمود يزبك، رائف زريق وخالد فرّاج وغيرهم.

في مقاله بعنوان “في مئوية وليد الخالدي: الرسالة التي تحولت إلى منهج عمل” يقول المدير العام الحالي لمؤسسة الدراسات الفلسطينية الباحث خالد فرّاج إن عمل الخالدي على تكريس مجموعة من القيم والمفاهيم الجمعية داخل المؤسسة، ميّزتها من غيرها من المؤسسات وأماكن العمل الأُخرى. وقوام هذه القيم هو انصهار العاملين في المؤسسة مع القيمة العامة التي أرساها، ومع جوهر القضية التي أُنشئت المؤسسة من أجلها، وهي تثبيت الحقّ لأصحابه عبر البحث العلمي الرصين. ومن أبرز تجليات هذا الانصهار ونجاح هذه القيم أن الوظائف في المؤسسة لم تقتصر على الفلسطينيين فحسب، بل عمل ويعمل فيها لبنانيون، وسوريون، وعراقيون، وأردنيون، وأميركيون، وفرنسيون، ودنماركيون، وبريطانيون. وهذا ينسجم انسجاماً تاماً مع عدالة القضية نفسها، ومع قيم المؤسسة وفلسفتها وروحها التي تم ترسيخها بالتراكم”.

وعن إسهام فلسفة الخالدي الخالدة يضيف فراّج:”… وهنا، أستطيع الجزم بأن أحد أهم الأسباب التي حافظت على استمرارية المؤسسة لأكثر من ستة عقود هو هذه القيم والفلسفة الأخلاقية التي أبقتها حاضرة في الفضاء العام، على الرغم من قسوة الظروف التي مرت بها، أكانت ظروفاً موضوعية، كالحروب التي شنّتها إسرائيل على المنطقة، والتي أضرّت بعمل المؤسسة، مثلما جرى خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان في سنة 1982 وما تلاه من تشتيت كادر المؤسسة إلى خارج البلد، أم كانت حروباً أهلية وصراعات داخلية في المنطقة، أم كانت ظروفاً ذاتية، كالأزمات المالية الخانقة التي مرت بها المؤسسة أكثر من مرة منذ تأسيسها”.

تأريخ فلسطين

في مقال يرى المؤرخ اليهودي إيلان بابيه أن البروفسور وليد الخالدي ساهم مساهمة حاسمة في مجال تأريخ العالم العربي عامة، وتأريخ فلسطين خاصة. وهذه المقالة التي تحتفل بعيده المئوي تبيّن أن مساهمته الشخصية ومشاريعه المشتركة وضعت حجر الأساس في بنيان “الدراسات الفلسطينية”، وهو حقل معرفي من شأنه أن يؤثر في مستقبل فلسطين وشعبها.

وقد استهل القانوني والأكاديمي دكتور رائف زريق مقاله عن الخالدي كـ باحث ومؤرخ الزيارة بالحديث عن تلك الزيارة وعن بعض أبعاد إنسانية في شخصيته:”هناك في غرب كامبريدج في بيته المتواضع، استقبلنا الأستاذ وليد الخالدي على الباب مرحّبا، أنيقا في لباسه دون أيبذخ. في بيت دافئ أعد للحياة ولاستقبال الأصدقاء وليس للاستعراض”.

في منشور على صفحته من يناير الماضي بعنوان “في حضرة وليد الخالدي.. أنت لست فقط في حضرة مؤرخ” تابع زريق:”لا يعود الأستاذ وليد إلى كرسيه قبل أن يتأكد أنك قد جلست مرتاحا في مقعدك. يقوم من حين إلى آخر نحو الموقدة ليمارس هوايته بـ تحريك الحطب كي تصبح النار أكثر توهجا، وكأنه يمهد للكلام بتعديل حرارة الغرفة أولّا.. ثم تنهمر عليك الأسئلة”.

ويقول زريق إن قدرة الأستاذ وليد على طرح الأسئلة والإصغاء وإدارة الحديث لافتة، كأنه يحاول أن يعرف أولاً أين تقف، وما الذي يهمك ويشغل فكرك، وما هي الأسئلة التي تحوم في رأسك قبل أن يباشر حديثه، فيشرع يحدثك بموضوعات تثير اهتمامك، ثم يبدأ كلامه من حيث انتهى كلامك، ليأخذك بيده إلى رحاب التاريخ بعد أن يتأكد أن يدك بيده، وأن ما يدور بينكما هو حديث بين شخصين وليس مونولوجاً ذاتياً.

فكثيرون من الذين يتقدمون في السن يحكون قصتهم من دون الالتفات إلى جمهور محدثيهم، لكن الأستاذ وليد يضع ذاكرته تحت تصرف محدثه، فتشعر بأنك تستنطق التاريخ. فهو يعود بك إلى تفصيلات مذهلة في دقتها من دون أن تكون مرهقة: تواريخ وأماكن وشخوص وأحداث ينسجها كلها معاً ببراعة صانع السجاد، ثم يقدم لك سياقاً تاريخياً متماسكاً من دون تزمّت أيديولوجي، فكأنه يقدم لك حزمة ضوءٍ تضيء من جديد حدثاً جرى البارحة. وفجأة تفهم السياق وتعرف أنه ليس حدثاً عارضاً، وإنما بعض من نسيج تاريخي يضع الحاضر في حوار مستمر مع الماضي.

ويخلص الحقوقي والأكاديمي الفلسطيني رائف زريق للقول مازجا بين المساهمات المعرفية والنواحي الإنسانية: “تعددت وتكررت الزيارات لبيت الأستاذ وليد، وكانت زوجتي منى ترافقني، وفي كل مرة كنا نخرج من بيته كانت تذهل من قدرته على سرد حكايات ونوادر حدثت معه منذ أكثر من 60 عاماً بدقة متناهية ومن دون أي عناء يُذكر. لم تتوقف زياراتي للأستاذ وليد عندما كنت أزور كيمبردج. والمرة الأخيرة كانت قبل عامَين تقريباً، وهذه المرة كنت مع منى زوجتي والأستاذ نديم روحانا. تحدثنا في أمور كثيرة، وسُررت جداً حين عرفت أن الأستاذ وليد يكتب مذكراته بعد هذا العمر الطويل المديد. فقلت لنفسي: التاريخ يكتب تاريخه. ونحن في انتظار هذا المولود”.

كي لا ننسى

كتب الخالدي الكثير عن فلسطين قبل نكبتها وعن اللجوء الفلسطيني وحرب 1948 بعدة لغات منها : فلسطين ومنطق السيادات السياسية، قبل الشتات: التاريخ المصوّر للشعب الفلسطيني، الصراع العربي – الإسرائيلي والانتداب الجديد: موازين القوى والأطراف الرئيسية”،خمسون عاماً على تقسيم فلسطين”، خمسون عاماً على حرب 1948،الصهيونية في مئة عام: من البكاء على الأطلال إلى الهيمنة على المشرق العربي، دير ياسين: الجمعة، 9 نيسان / أبريل 1948″، أرض السفارة الأميركية في القدس: الملكية العربية والمأزق الأميركي”، القدس مفتاح السلام، القدس: من العهدة العمرية إلى كامب ديفيد الثانية، آفاق السلام في الشرق”، المكتبة الخالدية في القدس، نكبة بيت المقدس والفردوس المفقود، قبل الشتات: التاريخ المصور للشعب الفلسطيني، فلسطين وصراعنا مع الصهيونية وإسرائيل.ومن أبرز كتبه “كي لا ننسى: قرى فلسطين التي دمرتّها إسرائيل سنة 1948 وأسماء شهدائها”، وهو ثمرة تعاون جامعة بير زيت وجمعية الجليل في مدينة شفاعمرو داخل أراضي 48 ومؤسسة الدراسات الفلسطينية، فيه يؤرخ للأرياف الفلسطينية المهجرة… معالمها وملامحها الجغرافية والاقتصادية الاجتماعية… واحتلالها بالاستناد لروايتين عربية واسرائيلية واسماء مواقعها وبعض من تاريخها قبل النكبة والمستوطنات التي أقيمت عليها: بالتعاون بين بير زيت وجمعية الجليل في شفاعمرو. ورغم بعض هفواته المعلوماتية يبقى هذا الكتاب مصدرا مرجعيا هاما يمتاز بجمعه المعلومة الخاصة بـ القرية قبل وبعد النكبة وعدم حصرها بما حصل عام 1948 متنبها إلى أن فلسطين أكبر وأعرق من نكبتها. كذلك كتابه “رحلة مرئية في الحياة في فلسطين قبل تقسيمها… قبل الشتات”، ويشمل آلاف الصور التي تم الحصول عليها من مجموعات شخصية وعامة في مختلف أنحاء العالم ولجانبها النصوص الوصفية ـ التحليلية، التي كتبها أبرز مؤرخي فترة 1948. يشار أن هناك بعض الكتاب الفلسطينيين أمثال دكتور خالد حروب ممن وجهوا انتقادات لبعض دراسات وليد الخالدي حول فلسطين تاريخها وقضيتها. 

Post Views35 Total Count

تصفح المواضيع

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Ethical Dimensions in the Digital Age

The Internet is becoming the town square for the global village of tomorrow.

الأكثر قراءة

هاشتاغ

عن زيتون نيوز

زيتون نيوز موقع اعلامي صادر عن مركز رام للدراسات العربية. مختص بالشؤون العربية في كندا، بالاضافة الى الاهتمام بأهم القضايا في الوطن العربي. وهو موقع مهني تشرف عليه الصحفية تغريد سعادة التي تعمل في الصحافة لما يزيد عن عقدين من الزمان.
يقع المكتب الرئيسي في مدينة ادمنتون / ألبرتا. ويعمل على تقديم تغطية شاملة، لكافة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعرب في كندا. 

آخر الأخبار

  • All Posts
  • About Us
  • English News
  • أخبار
  • تحقيقات
  • ثقافة
  • شؤون الجالية
  • شؤون عربية
  • لقاءات
  • مقالات
  • منوعات
    •   Back
    • About us

أقسام

 Zaytoun News © 2024

error: Content is protected !!