اجرت اللقاء تغريد سعادة
لم يتم التخطيط لهذا اللقاء، ولعب القدر دوره حيث وضعني على تواصل معه. في معتقل الاحتلال الاسرائيلي في النقب الصحراوي حيث يتواجد الاسير الفلسطيني عبد محمود عبيد مع المئات من المعتقلين الفلسطينيين بتهمة مقاومة الاحتلال وهو احد قيادات الحركة الاسيرة لحركة الجهاد الاسلامي في فلسطين.
عبيد الذي اعتقل عام 2001، ومحكوم بـ 27 عاما، يبدو منفتحا وهادئا ومتماسكا في اجاباته وكثير الابتسامة.
دخل الاعتقال وهو في بداية العشرينيات من عمره. يقول كنت ادرس في جامعة بيرزيت تخصص فيزياء، وقبل اسبوع من التخرج تم اعتقالي.
واضاف في حديث خاص لـ ”صحيفة زيتون نيوز“ انه اكمل تعليمه في السجن وحصل على شهادة التاريخ من جامعة الاقصى، ودبلوم الخدمة الاجتماعية من كلية العلوم التطبيقية. ودخل في برنامج الماجستير في الدراسات الاسرائيلية في جامعة ابو ديس قبل ان يتم نقله الى سجن اخر. واضاف انه بدآ حديثا محاضرات في الدراسات الاستراتيجية لنيل درجة الماجستير من جامعة فلسطين.
في النقب الصحراوي ظروف الحياة صعبة وهو يتحدث كنت افهم انه يقطن بخيمة وليس في مباني اسمنتية كما نتخيل.
وسجن النقب الصحراوي او كما يسميه الفلسطينيين سجن انصار 3 ، افتتح عام 1988 قرب سيناء على الحدود المصرية في منطقة النقب، لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الفلسطينيين الذين اعتقلتهم سلطات الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة مع اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987. ويعتبر اكبر المعتقلات الاسرائيلية مساحة. وهو سجن وسط كثبان رمليه وحار ولا يوجد ظل يستظل به الاسرى من حرقة الشمس.
اغلقته سلطات الاحتلال عام 1996 واعيد فتحه مع الانتفاضة الثانية عام 2002. ووفقا لوزارة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية فإن 2300 اسير يتواجدون في سجن النقب. وفي شهادات نشرها نادي الاسير فان في غرف الاسرى مراوح مقسمة على الأسرى بحيث يكون لكل سريرين مروحة ولكنها لا تخفف من حدة الحر. ويفتقر سجن النقب إلى أدنى مقومات الحياة ويقع في الصحراء في موقع معزول عن العالم، كما ان سلطات الاحتلال شددت من عزلته.
عبيد يتقن اللغة العبرية التي اكتسبها خلال مدة تواجده في المعتقل، وبعض من الانجليزية رغم انه كان يجيدها بالسابق. قال ”23 عاما – وهي مدة اعتقاله – من عدم ممارسة اللغة الانجليزية كفيلة لنسيانها.“ ويضيف ”طارت كما طارت الكثير من الامور.“
يحب اكل العدس وهو الطبق الاول في مقدمة كل الاكلات، لا يقدم عليها شيى كما يقول. ويتابع ضاحكا ”نسميها لحمة الفقراء“.
وعن الجدول اليومي في المعتقل اجاب عبيد، ان اليوم يبدا على الساعة السادسة صباحا، يكون التواجد في الساحة، نقف صفوف، كل صف فيه عشرة اسرى ليتم عدنا. ويقول، يتكرر التجمع في الساعة 11 ظهرا و 7 مساءا.
يتناول الاسرى وجبتين، الفطور وتكون عند الساعة 10 صباحا، والعشاء بعد العد، الساعة السابعة.
يبدأ الهدوء في المعتقل الساعة 11 ليلا، ويقفل التيلفزيون على الساعة 12 منتصف الليل. وما بين هذه الاوقات تتوزع بين القراءة، و المشي بالساحة، والجلوس مع بقية الاسرى. احيانا يقوم بزيارة اقسام اخرى، كما يوضح الاسير عبيد.
وعلى الرغم من مضي اكثر من عشرين عاما وهو في المعتقل الا ان عبيد لم يعتاده، مضيفا ان الشيئ الوحيد الذي لم يتغير طوال سنوات الاعتقال، انه عند الاستيقاظ نتحدث عن الاحلام التي رايناها في المنام. وقال وهو يبتسم “انه اغلب تفسير الاحلام يكون عن الحرية والافراجات.”
وعن ذكريات الطفولة يقول عبيد نحن الفلاحين والفقراء لا نعيش طفولتنا. وعبيد من بلدة عرابه التابعة لمحافظة جنين في الضفة الغربية.
عبيد الذي لم يسبق له وان ساق سيارة في حياته، ولا دراجه، الا انه اكد انه تعلم سياقة التراكتور – الجرار – منذ ان كان في الخامسة من عمره لحرث الارض الزراعية.
يتحدث عن اشتياقه للكنافة، وهي الحلوى المفضلة عنده، الا انه اكد انهم يقومون بصنعها باستخدام الخبز في المعتقل.
واوضح عبيد انه يعيش على الامل، وانه يوما ما سيشهد الحرية. ويجري بين الحين والاخر الحديث عن صفقة تبادل الاسرى بين اسرائيل وحركة حماس. وقال ” نحن ننتطر الفرج، وعلى تواصل مع لجنة الافراج عن الاسرى، واسمي موجود باذن الله“.
وحسب احصائيات رسمية فان عدد الأسرى في سجون الاحتلال بلغ نحو 9 آلاف و700 حتى بداية يوليو/ تموز 2024.
ويقول تقرير صادر عن هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير ان والعدد يشمل 3 آلاف و380 معتقلا إداريا، و250 طفلا، ونحو 80 أسيرة، من بينهم سيدتان حاملان، و22 معتقلة إداريا.
والاعتقال الإداري هو قرار حبس من دون توجيه لائحة اتهام، يصدر بأمر عسكري إسرائيلي بزعم “وجود تهديد أمني”، ويمتد إلى 6 شهور قابلة للتمديد.
ووفقا للإحصاءات الرسمية فان عدد من صنفتهم إدارة سجون الاحتلال من معتقلي غزة بالمقاتلين غير الشرعيين لا يقل عن 1400.
وتشير المعطيات، إلى أن هناك نحو 21 معتقلا (قدامى الأسرى) منذ ما قبل اتفاقية أوسلو عام 1993. كما يبلغ عدد المعتقلين الذي يقضون احكاما بالسجن المؤبد نحو 600 معتقل، أعلاهم حكما المعتقل عبد الله البرغوثي المحكوم بالسجن 67 مؤبدا، يليه ابراهيم حامد 54 مؤبدا.
وقال عبيد انه يستغل تواجده في السجن بالكتابة، حيث صدر له رواية “متاهة الحرية” عن دار نشر ببلومانيا في القاهرة. واضاف شاركت في معرض بغداد للكتاب 2021، ومعرض القاهرة الدولي 2021.
واوضح عبيد ان الرواية تصف حياة الاسير الفلسطيني داخل سجون الاحتلال، وتدخل الى اعماق نفسه وتفكيره. “وتتحدث عن تقصير التنظيمات في تحرير اسراها والذي يصل الى حد الخيانة” كما قال.
اضاف عبيد انه سبق قبل سنوات وبالشراكة مع صديقه الاسير سامح الشوبكي, والمحكوم بالمؤبد, ان كتبا كتاب “فرعون تحت المجهر” وقد تم مصادرته قبل ان يرى النور من قبل سلطات الاحتلال.
عبيد من مواليد عام 1978. اكمل عامه الـ 47 شهر اكتوبر الجاري. وهو الابن الأول بعد أربعة من البنات.
وتمنى عبيد في نهاية الحوار رؤية الفقراء وهم يقفون في وجه الظلم، وان لا يهتموا بدعوات ما اسماه المنافقين الذين يدعوهم بالصبر علي الظلم، مؤملين اياهم بجنة السماء التي يؤمن بها، واضاف ”انا اؤمن ايضا بجنة الارض ويجب ان تكون للفقراء وليس فقط للاغنياء والمستكبرين“.
ورغم قسوة التجربة التي يعيشها عبيد الا انه حالم يؤمن بالحب من اول نظرة، ويحلم بالحرية وتكوين عائلة صغيرة.


