سجل في القائمة البريدية

Edit Template

شارع الاعشى.. سردية الهوية والقيم والقدوة

خالد ربيع*

مسلسل شارع الأعشى يأخذنا الى مرحلة ما سميت بالطفرة؛ التي عشنا بداياتها في 1976 ـ 1977 والسنوات التي تلتها حتى الثمانينيات؛ تلك المرحلة الحميمة التي نعم بها كل من عاشها في بلادنا السعودية الحبيبة، وهي الجزء الأصيل في ذاكرة كاتبة رواية (غراميات شارع الاعشى) بدرية البشر، التي روت بحب كبير وصدق بليغ تفاصيل تلك الحياة التي نلتاع ولهاً بذكراها. سنوات التحولات الاقتصادية التنموية والاجتماعية؛ سنوات الحب لكل الحياة.

الحارة الشعبية ؛ حارة البساطة والتراحم بين الجيران؛ حارة اللعب والشقاوة البريئة للبزورة والبنات والتأثر بمستجدات العصر آنذاك ؛ التيلفون أبو أزرار والتلفزيون أبو محطة وحدة وايضاً تشابك العلاقات وتأثر البنات الصغيرات بالسينما والراديو الذي شكل وجداننا ـ نحن جيل السبعينيات ـ.

سينوجراف متقن بتفاصيله

إتقان تفاصيل هذا العمل الدرامي هو الذي يجعلنا ننتصر ونعشق العمل، لأن في التفاصيل هويتنا وذاكرتنا وحياتنا ووجداننا المدفون بركام الحب والقدوة من أسلافنا: البيئة المكانية بكل حمولاتها السينوجرافية. البيوت البدائية المسلحة المتعانقة مع بيوت الطين والحجارة وأسقف الخشب. الأثاثات والمفروشات الداخلية البسيطة وليدة ذلك الزمن الحنون. الملابس المنتشلة من تلك الأيام: الثياب الرجالية ذات الياقة الكبيرة، الفساتين (الكوُرَت) التي ترتديها أمهاتنا وأخواتنا وبنات الجيران بألوانها الفرحة لأزهارها المبثوثة على أجسادهن. وماذا بعد..هل سأقول اللهجة الاصيلة العذبة التي يتفوه بها الرجال والنساء بشفاه الطيبة والكلام الزين..

لهجة صائبة

لهجة أهل نجد المدغمة بتون موسيقي ومخارج حروف لا يعرفها غير أبنا وبنات نجد الأصيلين، والتي اجتهد في تمكينها مدققوا اللهجة: ثامر العنزي. أشواق العتيبي. عبدالواحد السنيد. محمد آل مهدي. صهيب العمران. متعب العتيبي.. أذكرهم هنا بمحبة لأنهم أرسوا اللهجة واعطوها ما يحققها، بمراجعة واعداد الحوارات لمنال العويبيل إبنة نجد الأصيلة، لا سيما أننا نصادف أعمالاً درامية مناطقية تضيع في ضبط اللهجة وبالتالي يفقد العمل الكثير من قيمته الفنية، والأمثلة أمامنا في بعض مسلسلات رمضان هذا العام.

حارة الاعشى وحارة بقيلي وكل حارات السعودية

أزعم أن مدن المملكة العربية السعودية في تلك الحقبة كانت متماثلة في الصفات البيئية الاجتماعية وأيضاً السيسيوثقافية الأصيلة. إذ كنا نعيش في مدينة الطائف “حارة بقيلي” ظروفاً متشابهة لأحوال “حارة الاعشى”. أحببنا فتيات الحارة واستمتنا في الحفاظ على سمعتهن والخوف عليهن.. كنا الإخوة المحبون والعشاق الأجاويد. كنا نحب حبيباتنا من فوق السطوح؛ بخفقان قلوب لا ندري لماذا تفعل ذلك بنا، بالرسائل من أوراق الدفاتر المسطرة؛ وبشرائط الكاسيت وبالتحليق مع صفحات المجلات و وشوشات الراديو وبغيرة حامية تستدعي كل لحماقات للذود عنهن.. هكذا استحضرت الكاتبة بدرية البشر والسيناريست منال العويبيل تلك الحياة المليئة بالعشق المباح، لا سيما وأنهن خارجات من رحم تلك الأيام.

أداء تمثيلي متقن

في شارع الأعشى يسرقنا الممثل القدير “خالد صقر” مع شخصية أبو ابراهيم، الأب الدمث المسؤول الوقور، الرجل السعودي الشعبي الشهم المتواجد في كل حارة وفي كل زقاق من أزقة رياض المحبة. بهدوءه الباسم المتطلع لمستقبل مشرق وآمن لبناتة وإصراره على استكمال تعليمهن وتنوير فكرهن. كل تلك المعاني والتمثلات الانسانية جسدها خالد صقر بدون تكلف الممثل المتصنع، آزرته في دوزنة دوره الممثلة القديرة”عائشة كاي” زوجته المحبة، النموذج الشائع للمرأة النجدية الجادة في غير ظلم والحنونة في غير تراخي.. توافق هارموني عالي في التمثيل وتناغم في الأداء، أداء مقتدر، زوجة رضية تستند على إرث من العادات والتقاليد.. بالفعل أداء عائشة سلس بسيط عذب، بلغة جسد وملامح وجه وانفعالات تدريجية عميقة، لا تبالغ فيها ولا تستهين في أدائها. ثم المتمكنة المتقمصة حد الطبيعية “إلهام علي” وضحى البدوية الأم القوية العفيفة المكافحة في تربية بناتها وأبنائها بالقيم والاصالة والاخلاق القويمة. الهام علي أدت دورها بحرارة وصدق..نستطيع أن تخيل كم المران والدراسات والبروفات التي أخضعت نفسها لها لإتقان كل شيء في الدور، اللهجة البدوية الأصيلة، النظرات وتعابير الوجه والجسد وحركة الأيدي حتى الرقص والابتسام والضحك ..نماماً كما يفعلن البدويات.

شباب وفتيات محترفون وواعدون

فاجئنا براء عالم الذي أجاد اللهجة بشكل محكم، وتمثيله كما اعتدنا عليه طبيعي ومتقمص ، والشباب الوجوه التي لأول مرة نراها: عبدالرحمن نافع (ضاري) وباسل الصلي ومحمد الحربي..كلهم رائعون ومجيدون وغير مرتبكين.

لكن المدهشون حقاً الفتيات اللائي قمن بأدوار بنات أبو ابراهيم وبنات وضحى: لمى عبدالوهاب (عزيزة) وآلاء سالم (عواطف)، أميرة الشريف (الجازي). مها الغزال وطرفة الشريف. واثقات ومؤثرات وكأنهن مخضرمات في التمثيل.

هن وهؤلاء الشباب أمل ووعد للآتي من الأعمال التي سيرفع مسلسل شارع الاعشى مستواها الى مصاف الاعمال الدرامية الممتعة والمؤثرة والمرسخة لموجة مقدرة من الدراما التلفزيونية الرصينة.

لا أغفل اكتمالية أداء السيدات الفنانات: عهود السامر. أغادير السعيد. ريم الحبيب. ومن وراء كل ذلك المخرج التركي المبدع أحمد كاتيكسيز صاحب فيلم Champion في 2018م ، وفريق عمله من الفنيين الاتراك المحترفين .

هنيئاً لكل من شارك في صنع هذا المسلسل.

و لا ننسى جمالية موسيقى رضوان نصري اذا سمعناها بمعزل عن الاحداث الدرامية، أو تعيشنا معها سمعيا أثناء السرد. موسيقى حسية لها لغة متماشية مع كل مشهد وكل لقطة.

كلمة أخيرة: أعتقد أن مسلسل شارع الاعشى سيرفع فنية انتاجات المسلسلات السعودية القادمة.

  • ناقد سينمائي سعودي 

Post Views22 Total Count

تصفح المواضيع

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Ethical Dimensions in the Digital Age

The Internet is becoming the town square for the global village of tomorrow.

الأكثر قراءة

هاشتاغ

عن زيتون نيوز

زيتون نيوز موقع اعلامي صادر عن مركز رام للدراسات العربية. مختص بالشؤون العربية في كندا، بالاضافة الى الاهتمام بأهم القضايا في الوطن العربي. وهو موقع مهني تشرف عليه الصحفية تغريد سعادة التي تعمل في الصحافة لما يزيد عن عقدين من الزمان.
يقع المكتب الرئيسي في مدينة ادمنتون / ألبرتا. ويعمل على تقديم تغطية شاملة، لكافة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعرب في كندا. 

آخر الأخبار

  • All Posts
  • About Us
  • English News
  • أخبار
  • تحقيقات
  • ثقافة
  • شؤون الجالية
  • شؤون عربية
  • لقاءات
  • مقالات
  • منوعات
    •   Back
    • About us

أقسام

 Zaytoun News © 2024

error: Content is protected !!