تغريد سعادة
في ظل تصاعد النقاشات السياسية والطائفية مؤخرا، تبرز الحاجة إلى إعادة التأكيد على حقائق تاريخية وإنسانية تتعلق بالمكونات الأساسية للمجتمع العربي، وعلى رأسها الطائفة الدرزية، التي كثيرا ما تعرضت لسوء الفهم والتأويل بسبب مواقف فردية أو أحداث استثنائية.
الدروز هم أبناء هذه الأرض، يحملون هوية عربية أصيلة، ويتشاركون مع بقية شعوب المنطقة اللغة، والثقافة، والانتماء القومي. نشأت الطائفة الدرزية في المشرق العربي قبل أكثر من ألف عام، وتوزع أبناؤها في فلسطين وسوريا ولبنان، وهناك من انتقل منهم الى الاردن لاحقا، وساهموا في بناء تاريخ هذه البلدان، سياسيا، واجتماعيا، وثقافيا.
لم يكن أبناء الطائفة الدرزية يوما على هامش الأحداث. في لبنان، لعب الدروز أدوارا محورية في بناء الدولة الحديثة، وكان الزعيم كمال جنبلاط رمزا للفكر القومي والعدالة الاجتماعية. أما في سوريا، فكان سلطان باشا الأطرش أحد أبرز قادة الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي، ورفع شعار الوحدة والحرية والكرامة.
وفي فلسطين، ورغم محاولات الاحتلال الإسرائيلي شق الصف الوطني وفرض التجنيد الإجباري على الدروز، برز عدد من الشباب الدروز المقاومين للسياسات العنصرية، ورفضوا الخدمة في جيش الاحتلال، وبعضهم دخل السجون بسبب موقفه المبدئي.
وقبل عام كنت قد انجزت بحثا عن الجالية العربية ودورها في دعم قضية فلسطين في كندا، وكان من بين هذه الشخصيات الصحفي والكاتب محمد سعيد، أحد القيادات الدرزية البارزة، الذي لعب دورا مؤثرا في العاصمة الكندية أوتاوا، في التعريف بعدالة القضية الفلسطينية ومخاطر المشروع الصهيوني في اربعينيات القرن الماضي.
كان سعيد يشرف على كتابة وإعداد نشرة سياسية باللغة الإنجليزية بخط يده، كان يوزعها داخل البرلمان الكندي، مخاطبا النواب والفاعلين السياسيين حول حقيقة ما يجري في فلسطين، وحول السياسات العنصرية التي تمارسها إسرائيل. هذه النشرة لم تكن مجرد جهد تطوعي، بل وثيقة سياسية أسبوعية أرقت أروقة اللوبي الصهيوني في كندا.
ومن اللافت أن بعض الدراسات العبرية الصادرة عن مراكز أبحاث إسرائيلية تناولت بالتحليل الدور الذي لعبه سعيد، ووصفت نشرته بالمصدر المقلق الذي ينشر معلومات مؤثرة داخل دوائر صنع القرار الكندية، في إشارة إلى الخطر الذي مثله على سردية الاحتلال في الغرب.
ما حدث مؤخرا في السويداء لا يمكن أخذه كصورة شاملة عن الدروز. هذه الظواهر، وإن كانت مرفوضة، إلا أنها تعكس حالة من الفوضى والاحتجاج المحلي على ظروف معيشية قاسية، ونفورا من السلطة المركزية، أكثر مما تعكس تبدلا في الهوية أو الموقف القومي.
من الخطأ تحميل طائفة بأكملها مسؤولية تصرفات قلة أو مواقف مؤقتة. فمنذ بداية الأزمة السورية، كانت السويداء من أكثر المناطق التي رفضت الانجرار إلى الصراع الطائفي، رغم الضغوط الداخلية والخارجية.
واذا نظرنا بعين فاحصة لمجتمعنا العربي فلا توجد طائفة محصنة بالكامل من الاختراقات أو الانزلاقات. في تاريخنا الحديث، وجدنا بعض الأفراد من السنة، والشيعة، والمسيحيين ممن ساهموا في إضعاف الموقف العربي. لكن هؤلاء لا يمثلون مجتمعاتهم ولا يجوز محاسبة الطوائف بأكملها على سلوك أفراد.
الدروز شركاء أصيلون في الهوية العربية، وفي النضال من أجل فلسطين والكرامة الإنسانية. وما نراه من استثناءات في بعض المناطق لا يغير من هذه الحقيقة، بل يؤكد الحاجة للتمييز بين الانحراف الفردي والانتماء الجماعي.
