تغريد سعادة
منذ انتقالي من مدينة تورونتو الى مدينة ادمنتون، عاصمة مقاطعة ألبرتا، تداعى الي مسامعي كثيرا كلمة الإخوان المسلمون، في الجلسات مع اكاديميين ورجال اعمال وسياسيين وبعض وجهاء الجالية العربية. أدهشني ذلك الحضور المريح للجماعة، وذلك النفوذ الهادئ الذي لا يثير الشبهات، بل بدا كما لو أنه محاط بالكثير من التسهيلات، ولا يخضع للمراقبة ولا يثير التحفظات. مع ان لهم وجود في المقاطعة الكندية الاخري، ولكن ليس بهذا الزخم.
في انتخابات بعض المؤسسات الفلسطينية في المدينة، سمعت همسا عن هيمنة تيار الإخوان، وكأن الأمر بات مألوفا. لكن ما يثير الانتباه أكثر هو سهولة التحرك، والعمل العلني التي تتمتع بها جماعات محسوبة على الإخوان، دون أن تواجه أي نوع من الرفض المجتمعي أو السياسي، او المساءلة.
في كندا، تبدو الجماعة أو المنظمات المحسوبة عليها نمت في بيئة حاضنة، تتوفر لها التمويلات الحكومية، والتمثيل المجتمعي، والمشاركة في السياسات العامة. على سبيل المثال، جمعية المسلمين الكندية (MAC) و هي أكبر منظمة إسلامية في كندا، تأسست عام 2002، تلقت ملايين الدولارات من الدعم الحكومي في السنوات الأخيرة.
وجمعية المسلمون الكندية (MAC)، تقر رسميا بأن فكرها مستوحى من الإمام حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين. فقد ورد اسم حسن البنا في وثائق رسمية ومواد تعريفية صادرة عن الجمعية، حيث تشير إلى الإخوان كجزء من “حركات النهضة الإسلامية في أوائل القرن العشرين” التي تستلهم منها رؤيتها ومبادئها.
وهذا الاعتراف يثير تساؤلات جدية حول أهدافها واستراتيجياتها داخل المجتمع الكندي. خاصة وأن هذه المؤسسة تحظى بدعم وتمويل حكومي واسع، وتشارك في تمثيل الجالية الإسلامية في المحافل الرسمية.
تقارير صادرة عن برنامج الأبحاث حول التطرف في جامعة جورج واشنطن، أكدت أن MAC ليست مجرد جمعية مدنية، بل تمثل أحد الأذرع التنظيمية التي تحمل الأيديولوجيا الإخوانية في الغرب.
هذا الاحتضان لا يمكن فهمه دون الإشارة إلى السياسات الكندية في التعددية الثقافية. وفي ظل غياب تيارات تمثيلية ليبرالية أو علمانية قوية في أوساط المسلمين، وجدت الحكومة نفسها تمنح الشرعية والأرضية لتيار الإخوان وهو الأكثر تنظيما وقدرة على ملء الفراغ.
ووفقا لتقارير امنية فانه بعد هجمات 11 سبتمبر، ركزت الأجهزة الأمنية في كندا والغرب على الخطر الإرهابي المباشر، وأهملت ما يمثل الاسلام المعتدل، وهو المسار الذي اختطه الإخوان في الغرب. وساهمت في حوارات مكافحة التطرف، وشاركت في لقاءات رسمية ومجتمعية، وقدمت خدمات تعليمية واجتماعية ودينية.
وتم التعامل معها في كندا كما يتعامل مع أي جمعية مدنية أخرى، بل وحصلت على ثقة الكثير من السياسيين الكنديين الباحثين عن دعم الجاليات المسلمة في الانتخابات.
تتميز المنظمات المرتبطة بالإخوان في كندا بخطاب مدني قوي، ومؤسسات مرنة، وقادة ناطقين بلغة الديمقراطية وحقوق الإنسان. وهذا ما منحها حضورا قويا في الإعلام، وقدرة على المشاركة في الحملات ضد الإسلاموفوبيا، بل وحتى في صياغة السياسات المتعلقة بالأقليات. لا يمكن تجاهل دور منظمات بالاضافة الى جمعية المسلمون الكندية، NCCM – المجلس الوطني للمسلمين الكنديين، ISNA – الجمعية الإسلامية لشمال أمريكا فرع كندا، MSA – رابطة الطلاب المسلمين في الجامعات. كل هذه المنظمات تعمل ضمن إطار شرعي ومنظم، لكن خلف هذا الإطار المرجعية الإخوانية.
المفارقة الكبرى أن كل هذا يحدث دون وجود نقاش عام حقيقي داخل المجتمع الكندي، ولا حتى داخل الجالية المسلمة نفسها حول طبيعة هذا التيار وتأثيره. لماذا لم يفتح حوار جاد حول مشروع الإسلام السياسي في كندا، كما بدأ يحدث في أوروبا، خصوصا في فرنسا والنمسا؟
في كندا، لم تعد المسافة واضحة بين من يمثل المسلمين، ومن يمثل الإخوان المسلمين. فبفعل عقود من التمكين المؤسسي والقبول السياسي، نجحت جماعات ذات خلفيات إخوانية في تقديم نفسها كشريك أساسي للدولة في ملفات الاندماج، ومكافحة التمييز، وتمثيل الجالية. هذا الواقع خلق التباسا كبيرا، إذ بات من الصعب التمييز بين صوت مسلم مستقل وصوت محسوب على مشروع الاخوان. وهنا تتجلى خطورة الأمر، فحين تحتكر جماعة واحدة التمثيل، تقصى الأصوات الأخرى!
