تغريد سعادة
رغم تصنيف الولايات المتحدة الامريكية لحركة حماس ضمن لائحتها للمنظمات “الإرهابية”، إلا أن العلاقة بين الطرفين شهدت في السنوات الأخيرة ملامح تطبيع سياسي غير معلن، مدفوع بحسابات إقليمية وأمنية. فواشنطن، التي لطالما رفعت شعار “محاربة الإرهاب”، لم تتردد في الضغط على قطر لتوفير ملاذ آمن لقيادات حماس، وفق ما جاء علي لسان سفير قطر لدى الولايات المتحدة، الشيخ مشعل بن حمد آل ثاني، “إلى أن فتح مكتب سياسي لحماس في الدوحة تم بطلب من واشنطن”. وهو ما اكده وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في وقت سابق وفي غير مرة.
وتجاوز الامر بدعم مادي بموافقة امريكية واسرائيلية، من خلال تمرير دعم مالي شهري يقدر بـ30 مليون دولار لصالح الحركة، تحت عنوان “الدعم الإنساني لقطاع غزة”.
غير أن هذا الدعم لم يكن إنسانيا خالصا واستفادت منه حماس في تكريس سلطتها على القطاع، وضمان بقائها كقوة أمر واقع، وتحاصر أي مشروع مقاوم مستقل من جهة أخرى.
فتحقيق “الهدوء” في غزة، حتى وإن كان هشا، يخدم في نهاية المطاف أولويات إسرائيل الأمنية، ويحظى بقبول أمريكي، لا سيما في ظل تراجع المشروع الوطني الفلسطيني وبروز حماس كقوة منافسة لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية.
وحين قبلت الولايات المتحدة فتح قنوات حوار غير مباشرة مع الحركة خلال الحرب، احتفلت حماس بما اعتبرته “اختراقا دبلوماسيا”، وقدمت نفسها على أنها شريك يمكن التفاهم معه. وفي لفتة كاشفة عن استعدادها لتقديم تنازلات سياسية، سارعت إلى الإفراج عن الاسير الامريكي الاسرائيلي عيدان ألكسندر، الذي كان محتجزا في غزة، كبادرة “حسن نية”، وهي خطوة لم تقدم عليها الحركة حتى تجاه حلفائها العرب أو المسلمين الذين ساندوها سياسيا وإعلاميا لعقود، كما حصل وهاجمت مصر مؤخرا.
هذه الازدواجية ليست جديدة في سلوك حماس، بل تعكس تناقض بنيوي في المشروع السياسي الإسلامي الذي تنتمي إليه. فالحركة تنتمي فكريا إلى جماعة الإخوان المسلمين، التي تسعى إلى التمكين السياسي ضمن منظومة العلاقات الدولية، ولو على حساب شعاراتها العقائدية. ويكفي التذكير هنا بنموذج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الزعيم الإخواني الأكثر نفوذا، الذي يدير علاقات استراتيجية مع إسرائيل، تجاريا واستخباراتيا، بينما يخاطب الجماهير بخطاب حماسي “مقاوم” لا يتجاوز المنابر والشعارات.
حماس، إذا، تتبنى خطابا مزدوجا، في الإعلام تجسد “المقاومة”، وفي الكواليس تدار باعتبارها كيانا سياسيا وظيفيا، يضبط إيقاع الساحة الفلسطينية بما يخدم توازنات إقليمية ودولية.
ما يجري ليس تحولا جديدا، بل تجل متدرج لحقيقة سياسية مؤجلة. حماس، منذ أن قبلت خوض الانتخابات عام 2006 تحت سقف “اتفاق أوسلو” الذي ترفضه نظريا، شرعت في عملية تكيف تدريجية مع الواقع الدولي والإقليمي. ومع الوقت، أصبحت جزءا من شبكة توازنات ترعاها أطراف كبرى، على رأسها الولايات المتحدة، التي ترى في بقاء حماس، بصيغتها الحالية، مصلحة استراتيجية لضمان فصل غزة عن الضفة، وتكريس الانقسام الفلسطيني، وكبح أي مشروع مقاوم جامع.
إن تماهي حماس مع هذا الدور، وحرصها على البقاء في الحكم بأي ثمن، سيبقي وضع غزة معلقا، ويقتل الالاف من الشعب الفلسطيني في غزة، واللافت ان نتنياهو سيضمن الاستمرار في حكمه.
