سجل في القائمة البريدية

Edit Template

الكراهية السياسية: ثمن الاختلاف بعد 7 أكتوبر

تغريد سعادة

الكراهية شعور إنساني نختبره احيانا او نادرا، يعتمد على طبيعة التكوين الانساني للشخص، لكنه يصبح أكثر خطورة عندما ينتقل من المجال الشخصي إلى المجال العام، وخاصة إلى المواقف السياسية. فالسياسة في جوهرها إدارة للاختلاف، بينما الكراهية تلغي أي إمكانية للحوار وتغلق الباب أمام أي حل مشترك.

حين يكره شخص آخر بسبب موقف سياسي، فغالبا لا تكون المسألة مرتبطة بالفكرة نفسها، بل بما يرمز إليه الطرف الآخر بالنسبة له. في لحظة ما، يتحول النقاش من تبادل للأفكار إلى معركة هوية وولاء. وفي مجتمعات تعاني من الاستقطاب الحاد أو إعلام موجه، تصبح المواقف السياسية أقرب إلى الانتماءات القبلية أو الدينية، فمن يوافقك فهو صديق، ومن يخالفك يصبح عدو.

هذا النوع من الكراهية له دلالات اهمها قصور في المعرفة، حيث لا يبذل المرء جهدا لفهم تعقيدات الموقف أو خلفياته. كما يدلل على جمود فكري، يرفض أي تغيير حتى لو تغيرت الظروف والمعطيات. ويأتي هذا الشعور حينما تهيمن العاطفة على العقل، مما يجعل النقاش أقرب للانفعال منه إلى التفكير. ويحدث ايضا حينما يرى المخالف كتهديد للجماعة لا كشريك في الوطن.

ما يحدث حاليا في غزة يظهر كيف يمكن للكراهية السياسية أن تتحول إلى هجوم شخصي مباشر ضد من يخالف الرأي الرسمي أو يجرؤ على النقد. منذ هجوم 7 أكتوبر 2023، تصاعدت أصوات غاضبة داخل الشارع الفلسطيني في غزة مطالبة بمحاسبة حماس على مسؤولياتها، لكن هذه الأصوات وجدت نفسها خارج التيار السائد الذي تسيطر عليه وسائل إعلام مثل الجزيرة وحلفاؤها، التي تسوق نفسها على أنها المتحدثة باسم الشعب الفلسطيني وتروج للانتصارات دون مراعاة الواقع اليومي لسكان القطاع.

الخروج عن هذا الخط يعتبر بالنسبة للبعض جريمة سياسية، حتى للمناصرين لهذا الصوت من خارج غرة، حيث يصبح على الفرد السمع والطاعة لقبول الأحداث والنتائج، بما في ذلك الموت، دون أن يكون له الحق في مساءلة القيادة أو التعبير عن اعتراضه. البعض يرى أن محاسبة حماس بعد انتهاء المعركة وليس الان. وهذا طبعا يفقد النتائج الكثير، لأنها ببساطة تضحي بالشعب الفلسطيني للحفاظ على بقائها، وليس مجرد أنها تركتهم لمصيرهم واعلنت على لسان قيادات حماس انها ليست المسؤولة عنهم.

الهجوم على المنتقدين وصل إلى مستوى شخصي، حيث يتعرض البعض لهجوم لفظي كبير على مواقع التواصل الاجتماعي ورسائل تهديد، وشائعات. هذا المثال يوضح أن الكراهية السياسية لا تتوقف عند الخلاف حول الأفكار، بل تتحول إلى وسيلة للسيطرة على المجتمع وإسكات الأصوات المعارضة. وهو يدخل في اطار الارهاب الفكري.

احترام حق الآخر في التفكير المختلف هو شرط أساسي لأي حياة سياسية سليمة، بل هو ما يحمي المجتمع من الانقسام والانزلاق نحو العنف. السياسة ساحة لبناء الجسور وإيجاد أرضية مشتركة، حتى مع من نختلف معهم بشدة.

التجربة الشخصية تكشف أن من يمتلك وعيا سياسيا متينا، ويستند إلى فهم متكامل للتاريخ والسياقات، قلما ينزلق إلى الكراهية، لأنه يدرك أن المواقف السياسية ليست ثابتة، وأن الظروف تتغير، وأن الاختلاف لا يعني العداء. الفصل بين الشخص والفكرة هو ما يحمي المجتمع من التشرذم، ويمنح السياسة معناها الحقيقي في إدارة الاختلاف وليس في صنع الأعداء.

Post Views46 Total Count

تصفح المواضيع

اترك تعليقًا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Ethical Dimensions in the Digital Age

The Internet is becoming the town square for the global village of tomorrow.

الأكثر قراءة

هاشتاغ

عن زيتون نيوز

زيتون نيوز موقع اعلامي صادر عن مركز رام للدراسات العربية. مختص بالشؤون العربية في كندا، بالاضافة الى الاهتمام بأهم القضايا في الوطن العربي. وهو موقع مهني تشرف عليه الصحفية تغريد سعادة التي تعمل في الصحافة لما يزيد عن عقدين من الزمان.
يقع المكتب الرئيسي في مدينة ادمنتون / ألبرتا. ويعمل على تقديم تغطية شاملة، لكافة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعرب في كندا. 

آخر الأخبار

  • All Posts
  • About Us
  • English News
  • أخبار
  • تحقيقات
  • ثقافة
  • شؤون الجالية
  • شؤون عربية
  • لقاءات
  • مقالات
  • منوعات
    •   Back
    • About us
    •   Back
    • Art and Cinema
    • Interviews

أقسام

 Zaytoun News © 2024

error: Content is protected !!