تغريد سعادة
الدكتور غسان الخطيب واحد من أبرز الأسماء الفلسطينية التي جمعت بين العمل الأكاديمي والسياسي والإعلامي. شغل مناصب متعددة داخل السلطة الفلسطينية، من بينها وزير التخطيط ووزير العمل، وكان لسنوات طويلة متحدثا رسميا باسمها. إلى جانب ذلك، لعب دورا فاعلا في مسارات التفاوض مع إسرائيل، وشارك في صياغة المواقف الفلسطينية في لحظات مفصلية من تاريخ الصراع .كما انه محاضر في جامعة بيرزيت، احد اهم الجامعات الفلسطينية.
“زيتون نيوز” التقت الدكتور الخطيب، في ظل تفاقم الأوضاع في غزة والضفة الغربية، وتراجع الأفق السياسي، وكان اللقاء التالي:
كيف أثرت خبراتك، كسياسي واكاديمي واعلامي على فهمك لقضايا السلام والتفاوض؟ وكيف تقيم الوضع الذي نمر به فلسطينيا؟
من خلال تجربتي، أدركت أن كل صراع له وجهان: ميداني وسياسي تفاوضي. السؤال ليس إن كنا نفاوض أم لا، بل كيف ومتى نفاوض. هذا ما شهدناه عبر مراحل مختلفة من تاريخنا، منذ اللجنة التنفيذية بقيادة موسى كاظم الحسيني، مروراً باللجنة العربية العليا ومنظمة التحرير، وصولاً إلى الوضع الراهن مع حماس. أفضل تجربة تفاوضية كانت في مدريد وواشنطن بقيادة الدكتور حيدر عبد الشافي، التي تميّزت بتوقيتها بعد الانتفاضة الأولى وأدائها الشفاف أمام أعين الجماهير.
وكيف تقيّم الوضع الذي نمر به فلسطينيا؟
الوضع صعب لثلاثة أسباب: أولاً تراجع الدعم العربي والإقليمي مقارنة بالماضي. ثانياً تقاطع نتنياهو وترامب الذي خلق واقعاً دولياً غير مواتٍ. ثالثاً ضعفنا الداخلي نتيجة الفجوة بين القيادة والقاعدة الشعبية، إضافة إلى تأثير التجاذبات الإقليمية على واقعنا السياسي الداخلي.
هل ترون أن ثمة حلا فيما يجري في غزة؟ وهل من الممكن أن نصل إلى وقف لإطلاق النار؟
لا أرى حلاً قريباً. ربما نشهد وقفاً مؤقتاً لإطلاق النار أو تبادلاً للأسرى وربما لا، لكن كل ذلك لن يغيّر في المخطط الإسرائيلي الهادف إلى فرض سيطرة عسكرية دائمة على القطاع، تدميره، ودفع أكبر عدد ممكن من سكانه إلى الرحيل، حتى الان لا يوجد ما يعيقهم عن ذلك.
هل سيسمح نتنياهو للسلطة بالعودة؟ وكيف ترى آفاق الوضع في اليوم التالي لوقف إطلاق النار؟
نتنياهو لن يسمح بعودة السلطة. قد يفتح الباب لاطراف ثالثة للمساعدة في إدارة الشؤون المدنية، لكن تحت الحكم العسكري الإسرائيلي. عملياً، إسرائيل تورطت وستتورط أكثر في وحل غزة، وهي حرب لن تعرف “يوماً تالياً”، لأن هدفها استكمال السيطرة الدائمة وتقليص الوجود السكاني الفلسطيني.
هل تعاملت السلطة مع الحرب كما يجب؟
السلطة كانت مسكونة بالحرص على عدم اعطاء ذريعة لاسرائيل لتكرار تجربة غزة في الضفة. على كل خياراتها كانت محدودة لغيابها عن غزة، لكن كان يمكنها أن تتحرك دبلوماسياً وقانونياً بشكل أنشط وأبكر. نموذج السفير حسام زملط في بريطانيا يوضح ما أعنيه: خطاب مبادر وفعّال استثمر صورة حرب الإبادة في غزة للتأثير في الرأي العام العالمي ودفع بريطانيا نحو الاعتراف بدولة فلسطين.
فلسطينيا، إلى أين تتجه الأمور؟
في الضفة، تسعى إسرائيل إلى إنهاء وجود السلطة لأنها ترمز لحق الفلسطينيين في الدولة وفق الشرعية الدولية، وعدم توفر مساعدات مالية عربية او دولية يسهل ذلك. في غزة، يتجه الوضع نحو سيطرة عسكرية إسرائيلية دائمة، ما يعني غياب أي نفوذ لحماس أو فتح.
هل تعتقد أن الأمور قد تصل فعلا إلى جلوس الفلسطينيين والإسرائيليين معا للتفاوض، أم أن الأمور صعبة كما في ظل حكم نتنياهو؟
لا أرى ذلك ممكناً. إسرائيل تغيّرت جذرياً؛ لم تعد هناك حتى أقلية مستعدة للحديث عن إنهاء الاحتلال أو التعامل مع منظمة التحرير شريكاً سياسياً. الواقع يتجه نحو دولة فصل عنصري من النهر إلى البحر.
أنتم جزء من مبادرات دولية لدعم القضية الفلسطينية، خصوصاً على المستوى الأكاديمي. هل يمكن أن تضعونا في صورة هذه المبادرات وتأثيرها؟
نشهد زخماً غير مسبوق في الأوساط الأكاديمية والشعبية، بسبب الإجرام الإسرائيلي في غزة. الجديد أن هذه المبادرات ترى نفسها شريكاً في مواجهة الإبادة، لا مجرد متضامن. كما يشارك فيها مفكرون وأكاديميون ونخب مهمة، إضافة إلى حضور يهودي بارز يفضح الخطاب الصهيوني الذي يحاول وصم هذه التحركات باللاسامية.
نلمس تغيرا في المواقف الأوروبية على مستوى الأنظمة والشعوب. ما رأيكم بالدور الأوروبي وما هو المطلوب لوقف نزيف الدم الفلسطيني؟
الأمل الأكبر من أوروبا. التحركات الشعبية تتقدم على الحكومات التي لا تزال أسيرة عقدة “الدين الأخلاقي” تجاه اليهود بعد الحرب العالمية الثانية. لكن سلوك إسرائيل الحالي أحدث تصدعاً في هذه العلاقة، ويجب استثماره بجدية. الأمر ينطبق أيضاً على دول مثل أستراليا ونيوزيلندا وكندا.
كيف ترى مؤتمر سبتمبر والاعتراف المرتقب من مزيد من الدول بدولة فلسطين؟ وهل يشكل دعما حقيقيا؟
أنظر إليها بإيجابية. صحيح أنها لن تغيّر مباشرة من واقع غزة، لكنها تراكم سياسي وقانوني مهم يمكن البناء عليه لفرض عقوبات ومقاطعة إسرائيل. الشراكة الفرنسية-السعودية لتنظيم مؤتمر “حل الدولتين” نموذج لتعاون عربي اوروبي يمكن تطويره.
يرى مراقبون أن العرب لأول مرة يدعمون القضية الفلسطينية بزخم. ما رأيكم؟ وهل كان الدور العربي بالمستوى المطلوب؟ وهل فعلاً الكفة تتجه لصالح فلسطين؟
المواقف متباينة، لكن الدول الهامة السعودية، والدول المجاورة مثل والأردن ومصر أظهرت مواقف إيجابية وصلبة، انطلاقاً من إدراك المخاطر التي تهدد مصالحها القومية، وبفعل تعاطف شعوبها مع الفلسطينيين. كما أن تجربة التطبيع الأخيرة كشفت العقلية الإسرائيلية المتعالية، ما جعل كثيراً من الدول العربية أكثر حذراً في التعامل معها.
